أثار الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، الجدل في الشارع المصري مجدداً حول ملف تجديد الخطاب الديني، والذي كان محل خلاف في وجهات النظر بين مؤسسة الرئاسة المصرية والمؤسسة الدينية الرسمية، ممثلة في الأزهر الشريف، ما يؤشر إلى إمكانية تجدد الصدام بين المؤسستين، خصوصا بعد قرار السيسي فصل “دار الإفتاء” واعتبارها مؤسسة ذات طبيعة خاصة.
السيسي قال في مداخلة هاتفية لبرنامج “صالة التحرير” على فضائية “صدى البلد”، أمس الأول، إنه يجب تأسيس الإيمان على المعرفة والتفكير، وأضاف: “علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه”، وشدد على أن القضية هي قضية الوعي الديني، “وهدفنا تحصين أبنائنا وشبابنا”.
وتابع: “كنا صغيرين مش عارفين، طب لما كبرنا، هل فكرت؟ ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟”، لافتا إلى خطورة استهداف الدولة، ضاربا المثل بأفغانستان التي كانت مختلفة بشكل كامل قبل خمسين عاما، وشدد على أن تكلفة الإصلاح هائلة يدفعها المصلح، ولا يمكن أن يكون المصلح محل رضا من الآخرين.
وأشار الرئيس السيسي إلى أن الإعلام والثقافة لهما أولوية لدى الدولة المصرية، وأنها ستدعم تقديم أعمال فنية لتجدي الخطاب الروحي المصري، مؤكدا أنه يدعم أي عمل على مستوى الدولة يأتي في هذا السياق، داعياً كتاب الدراما للتركيز على هذه الجزئية، بما يكشف عن تدشين توجه رسمي للدولة المصرية في تناول تجديد الخطاب الديني عبر الأعمال الدرامية.
وفور إطلاق السيسي تصريحاته حصل على تجاوب واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتبره الكثيرون دعوة صريحة لإعمال الفكر في الدين وعلاقته بالمجتمع، بل وصل الأمر بالبعض إلى تأييد حديث السيسي باعتباره خطوة على طريق العلمانية، بينما رأى البعض الآخر أن الحديث ضروري من أجل أن يكون الإيمان على بينة وليس مجرد ميراث شخصي، بينما رفض البعض الآخر هذا الحديث ورفضوا المساس من العلاقة بين المصريين ودينهم تحت أي مبرر.
وعلق الداعية الأزهري عبدالله رشدي، قائلا: “الإيمان بالإسلام الموروث بالتقليد ينجيك يوم القيامة، لكن الإيمان الناشئ عن النظر والبحث –لا الشك في الاعتقاد لأنه كفر- أعظم رسوخا وأشد صلابة في مواجهات سرطان الشبهات، لا أدري ما سر استهجان هذه الفكرة، وقد ألف الأئمة في ذلك الكثير من الكتب”.
وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، أكد أن “اهتمام الرئيس السيسي بقضية الوعي والخطاب الديني خير داعم لنا في نشر الفكر الوسطي”، مؤكدا جاهزية وزارة الأوقاف للتعاون مع جميع الجهات لتحقيق هذا الهدف.
لكن الأزهر الشريف المسؤول الأول عن ملف تجديد الخطاب الديني في مصر، التزم الصمت، ولم يعلق رسمياً على تصريحات الرئيس، في ظل أزمة مكتومة بين الجانبين بسبب هذا الملف تحديدا، ما دفع السيسي للشكوى بعدم استجابة الأزهر بقيادة أحمد الطيب، من دعواته المتجددة لتجديد الخطاب الديني، ومواجهة التطرف بكل جدية.
وزادت الفجوة بعد قرار السيسي باعتبار “دار الإفتاء” من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، والتجديد للمفتي الحالي شوقي علام، منتصف الشهر الجاري، وهي الخطوة التي اعتبرت بمنزلة فصل لدار الإفتاء عن مشيخة الأزهر، إذ كان للطيب مرشحه الجاهز لتولي “دار الإفتاء”، لكن جاء القرار الجمهوري ليحبط تحركه، ويقلص من صلاحيات هيئة كبار العلماء التي يحق لها أن تختار المفتي.