( جو بايدن ) .. علاقة مضطربة بحروب أميركا في الخارج
يريد الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن الأربعاء الماضي عن بدء خروج القوات الأميركية من أفغانستان، تقديم نفسه على أنه معارض لـ«حروب أميركا التي لا نهاية لها»، وكذلك بسبب هاجس تصويته المثير للجدل لمصلحة التدخل في العراق في 2003 الذي يلاحقه.
وعبر رئيس الولايات المتحدة الحالي البالغ من العمر 78 عاما مرات عدة عن ندمه على موافقته عندما كان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية التي تتمتع بنفوذ كبير في مجلس الشيوخ، على غزو العراق في إطار «الحرب على الإرهاب» في عهد الجمهوري جورج دبليو بوش.
ومازال هذا التصويت وصمة في مسيرته السياسية الطويلة. وفي كل المناظرات انتقده بيرني ساندرز الذي كان منافسه الرئيسي في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية لانتخابات نوفمبر على هذا الخيار، على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون.
ي كل مرة، بدا السياسي السبعيني نادما. فقد اعترف مثلا في يوليو 2019 بقوله «ارتكبت خطأ في الحكم». لكن الاعتراف لايزال جزئيا، ويكشف عن علاقة جو بايدن المضطربة بالحروب في بلاده.
وقال السياسي الديموقراطي النافذ خصوصا إنه أخطأ في تلك الفترة بوضع «ثقته» في الرئيس بوش الذي أكد له أنه طلب من الكونغرس الإذن باستخدام القوة لممارسة ضغط ديبلوماسي على النظام العراقي البائد. عندما جرى الهجوم في مارس 2003، قال بايدن «عبرت عن معارضتي».
لكن الوقائع عكس ذلك. فصيف 2003 وبعد أشهر من اندلاع الأعمال العدائية كان السيناتور بايدن لايزال يدافع بقوة عن تصويته الأول وضرورة «طرد صدام حسين من السلطة». ولم يغير رأيه إلا لاحقا في مواجهة الانزلاق الأميركي ثم دافع بقوة بصفته نائب الرئيس باراك أوباما عن الانسحاب من العراق الذي انتهى في 2011.
وقال مدافعا خلال الحملة الرئاسية «كنت مسؤولا عن سحب 150 ألف جندي من العراق وكان ابني أحدهم».
لكن في هذه الحالة، يعتبر معظم المراقبين أن رحيل القوات الأميركية يعد خطأ فادحا آخر في العراق الذي غرق في فوضى وقضمه تدريجيا من قبل تنظيم «داعش» ما أدى إلى تدخل دولي جديد بقيادة أميركية في 2014. ثم اصبح بقبضة ايران.
في الواقع لم يبرهن بايدن عن مواقف متجانسة في الأمور العسكرية.
في المقابل، كان بايدن مؤيدا في البداية للتدخل في أفغانستان على غرار الطبقة السياسية الأميركية باكملها تقريبا التي روعتها اعتداءات 11 سبتمبر 2001، ثم تبنى أخيرا موقف الرأي العام الأميركي الذي يشعر بالسأم من العمليات الخارجية التي لا تنتهي والمكلفة والدامية.
وبالتأكيد ساهم إرسال ابنه الأكبر بو بايدن إلى العراق في 2008، حين كان يخوض حملة للبيت الابيض الى جانب باراك اوباما، في هذا التحول.
وأصبح نائبا للرئيس بصفة والد عسكري مشارك في الحرب انذاك. وتماشيا مع مواقف آلاف العائلات، دافع على مدى ثمانية أعوام عن توخي الحذر الشديد حين يتعلق الأمر بإرسال قوات الى الخارج.
وقد قال الأربعاء الماضي بتأثر خلال توضيحه قرار الانسحاب من افغانستان «ما وجهني كان ذكرى ابني الراحل بو الذي شارك في حرب العراق والأثر الذي تركه ذلك عليه وعلينا نحن الذين كنا ننتظره في المنزل».
تحفظات جو بايدن باتت معروفة الآن حول العملية الخطرة التي توجت بنجاح لتصفية زعيم القاعدة اسامة بن لادن في باكستان عام 2011. والأمر المعروف أكثر هو احتجاجه على إرسال تعزيزات إلى أفغانستان في عام 2009.
كان الرئيس الجديد آنذاك يتعرض لضغوط من الپنتاغون لنشر آلاف الجنود الإضافيين من أجل إحداث فارق ضد طالبان. وكان نائبه يعارض ذلك.
وأفاد المبعوث الأميركي الخاص الى افغانستان انذاك ريتشارد هولبروك عن مشادة يتذكرها جيدا.
وكان الديبلوماسي ناشد جو بايدن والذي يعرفه منذ فترة طويلة لصالح زيادة الدعم للأفغان وخصوصا للحفاظ على حقوق المرأة التي انتهكتها حركة طالبان.
وقال نائب الرئيس انذاك «لن أعيد إرسال ابني إلى هناك لكي يجازف بحياته باسم حقوق المرأة!».
وخسر جو بايدن في النهاية معركته وقام باراك اوباما بنشر 17 ألف جندي إضافي.
لكن الاتجاه انعكس منذ ذلك الحين مع انخفاض تدريجي للقوات الأميركية. واليوم وقد بات رئيسا للولايات المتحدة، يمكن لجو بايدن أخيرا أن يبدي ثباتا في مواقفه عبر إعلان الانسحاب الكامل للقوات بحلول الذكرى العشرين لاعتداءات 11 سبتمبر.