الجانب الآخر من شخصية وزير النفط السعودي أحمد زكي يماني، الذي توفاه الله منذ يومين، هو اهتماماته الثقافية والفكرية، فقد اتجه بعد خروجه من العمل الوزاري وبكونه “أقدم وأطول وزير نفط في العالم” إلى حيث يهوى عقله وينسجم مع أفكاره.
عام 1988 أسس مركز دراسات الطاقة العالمي في لندن، والذي يعنى بتحليل الأسواق وتقديم معلومات وتحاليل موضوعية حول القضايا المتعلقة بالطاقة، والأهم من هذا مشروعه الأكبر، وهو إنشاء مركز الفرقان للتراث الإسلامي في لندن عام 1990.
أول أهداف المؤسسة تمثلت في الحفاظ على التراث الإسلامي المخطوط، ولها فروع في القاهرة وجدة، تركزت أهدافها على قضايا النشر والفهرسة وتحقيق المخطوطات في المناطق البعيدة خاصة في شرق آسيا وافريقيا.
عام 1994 أنجز المجلد الرابع لأوسع مسح في العالم على صعيد البلدان واللغات التي غطّها بشأن المخطوطات الإسلامية من حيث الرصد والتتبع، وصدرت باسم “المخطوطات الإسلامية في العالم”، وتم توزيعها ونشرها خلال خمس سنوات.
تتابعت جهود المركز، الذي يضم نخبة من العلماء والمثقفين والباحثين العرب، ومن بينهم الدكتور عبدالله الغنيم من الكويت كعضو في مجلس الأمناء.
ضم مركز الفرقان مكتبة ضخمة في لندن، فيها حوالي 30 ألف مجلد تتناول تاريخ المخطوطات الإسلامية، وهي تسعى للحصول على نسخ من المخطوطات المهمة أو المعرضة للتلف مصورة على أفلام ميكروفيلمية.
ويحتوي المركز على ثلاث مجموعات، الأولى تختص بالمخطوطات، وتحتوي على فهارس من أكثر من 106 دول وبيبلوغرافية شاملة، والثانية تسمى “مركز مقاصد الشريعة”، أنتجت “الدليل الإرشادي إلى المقاصد الشرعية”، وصدر منه 9 مجلدات، والمجموعة الثالثة مهمتها توثيق دور مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة على كل المستويات الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، صدر منها حتى الآن 7 مجموعات.
يصح أن يطلق عليه عراب “المخطوطات الإسلامية”، كما يطلق عليه اسم “عراب الذهب الأسود”، نظراً لإسهاماته ودوره في إنشاء مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي.
ومن آثاره الفكرية التي أوجدها في المكتبات، كتاب “دار السيدة خديجة” و”الإسلام والمرأة”، وترجم إلى عدة لغات.
وتعد مؤسسة الفرقان علامة مضيئة في تاريخ مسح المخطوطات الإسلامية، ولعبت دورا إسلاميا رائدا في دعم التراث، وهي نتاج فكر المرحوم أحمد زكي يماني، المولود بمدينة مكة المكرمة، وفي بيت أهله من العلماء، كانت حلما يراوده منذ شبابه وتحقق له ما أراد.