أزمة لبنان الاقتصادية بين الأشد حدة عالمياً منذ ( 1850 )
قال البنك الدولي، أمس، إن أزمة لبنان الاقتصادية والمالية تُصنّف من بين أشدّ عشر أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، منتقداً التقاعس الرسمي عن تنفيذ أي سياسة إنقاذية وسط شلل سياسي.
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، في حين يحول الصراع على الحصص والنفوذ بين القوى السياسية دون تشكيل حكومة منذ أشهر.
ورجّح البنك، في تقريره، أن «تُصنّف هذه الأزمة الاقتصادية والمالية ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر»، متوقّعاً أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني «كسادا اقتصاديا حادا ومزمنا»، بنحو عشرة في المئة في عام 2021.
وحذّر من أنه «في مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش» في وقت «لا تلوح في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة».
وعلى وقع الانهيار الاقتصادي والمالي، تخلفت الحكومة في مارس 2020 عن دفع ديونها الخارجية، ثم بدأت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول خطة نهوض عُلّقت لاحقاً بسبب خلافات بين المفاوضين اللبنانيين.
وخلال أقل من عامين، خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم، وتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار تدريجاً إلى أن فقدت أكثر من 85 في المئة من قيمتها، وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، وارتفع معدل البطالة.
وفي وقت يشترط المجتمع الدولي على السلطات تنفيذ إصلاحات ملحة في مقابل الحصول على دعم مالي ضروري يخرج البلاد من دوامة الانهيار، يغرق لبنان منذ انفجار المرفأ، الذي تبعته استقالة الحكومة، في شلل سياسي. ولم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري منذ تكليفه في أكتوبر، من إتمام مهمته، رغم ضغوط دولية تقودها فرنسا خصوصاً.
وبدلاً من تكثيف الجهود لتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات، لا يزال تبادل الاتهامات بالتعطيل سيد الموقف، خصوصاً بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. وتتحدث تقارير محلية في اليومين الأخيرين عن احتمال اعتذار الحريري عن إكمال مهمته.
في موازاة ذلك، تبدو حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن اتخاذ أي قرارات أساسية ضرورية رغم التدهور الاقتصادي المتمادي. وتبحث منذ أشهر في ترشيد الدعم عن سلع رئيسية مع تضاؤل احتياطي المصرف المركزي بالدولار.
وأورد تقرير البنك الدولي بعنوان «لبنان يغرق: نحو أسوأ 3 أزمات عالمية»، أن «استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات على صعيد السياسات العامة كانت غير كافية إلى حد كبير». ويعود ذلك إلى أسباب عدة أبرزها «غياب توافق سياسي بشأن المبادرات الفعّالة في مجال السياسات» في مقابل «وجود توافق سياسي حول حماية نظام اقتصادي مفلس، أفاد أعداداً قليلة فترة طويلة».
في عام 2020، انكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 20.3 في المئة، بعد انكماشه بنسبة 6.7 في المئة عام 2019. وانخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي، وفق التقرير، من نحو 55 مليار دولار عام 2018 إلى ما يُقدّر بنحو 33 ملياراً في 2020.
وأضاف التقرير أنه «في ظل حالة غير مسبوقة من عدم اليقين، من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 9.5 في المئة العام 2021». وعادة ما يرتبط «الانكماش الشديد بالصراعات أو الحروب»، وفق البنك الدولي، الذي حذر من «نشوب اضطرابات اجتماعية».
وفي وقت تدهورت قيمة الليرة في السوق السوداء، بقي سعر الصرف الرسمي محدداً بـ1507 ليرات في مقابل الدولار، لكن السلطات أقرت بالتوازي أسعار صرف أخرى، بينها سعر حددته للسحوبات من المصارف وآخر للصرافين.
وأورد التقرير أنه «في سياق نظام متعدّد لأسعار الصرف، انخفض متوسط سعر الصرف الذي يحتسبه البنك الدولي بنسبة 129 في المئة عام 2020»، مشيراً إلى أن «التأثير على الأسعار أدى إلى ارتفاع التضخم، الذي بلغ متوسطه 84.3 في المئة عام 2020».
وارتفعت أسعار كل المواد والسلع من الخبز والأغذية المستوردة بأغلبيتها، مروراً بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة، وصولاً الى فاتورة المولّد الكهربائي وسط تقنين صارم في التيار.
ويتزامن ذلك مع انقطاع عدد كبير من الأدوية، رغم أنها مشمولة بسياسة الدعم. وباتت طوابير السيارات الطويلة أمام محطات الوقود طاغية في معظم المناطق. وحذر التقرير من أن تدهور الخدمات الأساسية سيكون له «آثار طويلة الأجل» بينها «الهجرة الجماعية».
وبالفعل، تشهد قطاعات عدة، لا سيما القطاع الطبي، منذ أشهر هجرة أطباء وممرضين بحثاً عن فرص أفضل في الخارج.
ونبّه المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه من أنّ لبنان «يواجه استنزافاً خطيراً للموارد»، مرجحاً أن تتوجه اليد العاملة «ذات المهارات العالية» للبحث عن فرص في الخارج «مما يشكّل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلاد».
وأضاف «وحدها حكومة ذات توجه إصلاحي، تشرع في مسار موثوق نحو الانتعاش الاقتصادي والمالي وتعمل عن كثب مع جميع الجهات المعنية، بإمكانها أن تعكس اتجاه لبنان نحو المزيد من الغرق في الأزمة وتمنع المزيد من التشرذم الوطني».