أخبارفنون

( أحمد فرحات ) : صلاح أبوسيف منحني فرصة الظهور الأول سينمائياً

على مدار أكثر من 10 سنوات شارك الطفل أحمد فرحات في عدة أعمال سينمائية ومسرحية وإذاعية، بدأها في النصف الثاني من الخمسينيات، واستمر حتى نهاية الستينيات، ليكون واحداً من أشهر الأطفال في السينما المصرية، مقدماً العديد من الأدوار المميزة. يروي أحمد فرحات في حواره مع «الجريدة» كواليس من مشواره الفني، فالطفل الذي وقف أمام عمالقة التمثيل في مصر، يتجاوز اليوم عامه السبعين، لكن لايزال محتفظاً بخفة دم الطفولة التي يتذكرها الجمهور مع مشاهدة أعماله الخالدة في السينما المصرية.

● حدثنا عن أول خطواتك في التمثيل

– كنت ابن لأسرة متوسطة الحال، نعيش في حي شبرا بالقاهرة، وخلال دراستي بالمرحلة الابتدائية التحقت بفريق التمثيل في المسرح المدرسي، وقدمت العديد من العروض المسرحية، فكانت الأنشطة في المدارس آنذاك تحظى باهتمام كبير، سواء الرياضية أو الفنية، وكنا نقوم بعمل مسرحيات في المناسبات المختلفة على مسرح المدرسة ويحضرها مسؤولو الإدارة التعليمية وأسرنا، وفي أحد العروض جاء برفقة والدي لمشاهدة المسرحية صديقه الذي يعمل موظفا في الإدارة التعليمية، لكن في الوقت نفسه يعمل مساعدا مع المخرج صلاح أبوسيف وأعجب بأدائي.

كنت وقتئذ في الصف الرابع الابتدائي، والمسرحية التي عرضنها كانت تحمل اسم “العاقبة”، وعرضت في الاحتفال بعيد الأم، وقدمت فيها شخصية الطفل زينهم، وحصدت تصفيقا حادا من الحضور، وبعد هذا العرض، علم والدي من صديقه ببحث المخرج صلاح أبوسيف عن طفل للقيام بأحد الأدوار الصغيرة في فيلمه الجديد “مجرم في إجازة” مع فريد شوقي وصباح، وطلب منا زيارة الأستاذ صلاح أبوسيف في مكتبه في اليوم التالي.

● هل ذهبت إلى المكتب؟ ومن كان برفقتك؟

– زرت مكتب صلاح أبوسيف أنا ووالدي في الموعد المحدد، وسألني “بتعرف تمثل ضحك”، فقلت “اه”، قالي “طيب وريني”، فقدمت مونولوجا به أداء، وبعدما انتهيت من تقديمه أمامه، أخرج من جيبه 10 جنيهات ومنحني إياها وطلب من مدير مكتبه أن يكتب تعاقدا معي يوقع عليه والدي وأخبرني أن الريجسير سيقوم باخباري قبل التصوير بيوم.

أتذكر هذا اللقاء جيداً، ليس فقط لأنه أول لقاء مع صلاح أبوسيف لكن لأنني حصلت فيه على 10 جنيهات، وهو مبلغ كبير جداً وقتئذ، فوالدي الموظف كان يتقاضي هذا المبلغ عن عمله في نهاية كل شهر، وينفق منه على أسرتنا بالكامل، بينما أنا حصلت عليه في عمل واحد في السينما.

● ما موقف والدتك من العمل في التمثيل؟

– لم تكن والدتي مرحبة بعملي في السينما وعارضت هذا الأمر خوفاً على مستقبلي وانشغالي بالتمثيل على حساب الدراسة، وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل بسبب كثرة الأعمال التي شاركت فيها وحبي للتمثيل، لكن والدي على العكس كان مرحبا، ليس فقط بسبب الأجر الذي حصلت عليه، ولكن لأنه سيشاهد الممثلين ويجلس معهم، فهو كان المسؤول عني وعن أعمالي ورافقني دائماً في جميع الأعمال التي اشتركت فيها.

مرت عدة أيام وجاء مساعد الريجسير إلى منزلنا وأخبرني بموعد التصوير، ولم يكن وقتئذ هناك مصممون للملابس، وكان يفترض أن تكون الملابس غير مرتبة في اليوم الأول، والتصوير كان في إصلاحية بنهاية شارع الهرم، وأخبرته أنني لا امتلك هذه الملابس، وقام بتوفيرها لي في اليوم الأول.

● حدثنا عن اللحظات الأولى في العمل.

– عندما وصلت إلى مكان التصوير، بدأ فريق العمل التحضير للتصوير، وكان مشهد قيامي بقيادة أوركسترا الأطفال الموسيقي، ووقتها مع بداية التصوير كان يفترض أن أتحدث، لكن لم أتمكن وكنت أبكي في كل مرة إلى أن اصطحبني فريد شوقي وتحدث معي وسألني عن سبب بكائي، وشرحت له معانتي من حساسية في عيني، وأن بكائي بسبب تركيز الإضاءة علي، وهنا تحدث مع المخرج صلاح أبوسيف، وتم تعديل الإضاءة بشكل طفيف، ومرت المشاهد في اليوم بشكل جيد.

خلال مغادرتي مكان التصوير كان شارع الهرم بعيدا وشبه مهجور آنذاك، وجدتني الفنانة صباح برفقة والدي، وكنا ننتظر سيارة تعيدنا إلى منزلنا بوسط القاهرة، وسألتني عن سبب انتظاري وكانت تغادر برفقة ابنتها هويدا، وهي طفلة كانت بنفس عمري تقريباً، وأخبرتها أننا في انتظار سيارة الإنتاج، فطلبت مني أن أركب معها وتقوم بإيصالي بنفسها، وخلال الطريق توقفت بالسيارة ذات الطراز الحديث وقتها لشراء شكولاتة لي ولابنتها.

● كم استغرقت لتصوير جميع مشاهدك؟

– صورت مشاهدي في الفيلم على مدار 4 أيام متفرقة، وفي إحدى المرات كنا نحضر لتصوير مشهد وفاتي، وخلال بقائي اسفل السيارة، انتظاراً للتصوير، لم يكن فريد شوقي انتبه لوصولي وكان يتحدث مع صلاح أبوسيف عن غيرة زوجته الفنانة هدى سلطان، واعتقادها أنه سيتزوج عليها، فخرج لهم من أسفل السيارة وقال له “ايه يعني”، وهو ما أثار ضحك الحضور.

● كيف كنت تأتي إلى العمل ومن يرافقك في تلك الفترة؟

– خلال تصوير مشاهدي المتبقية في الفيلم، كان التصوير في استديو الأهرام، وهناك البلاتوهات تجد فيها أكثر من عمل بنفس التوقيت يتم تصويره والجميع يجتمع في الكافتريا خلال فترة الاستراحة، وفي هذه الأثناء التقيت مع حسين حلمي المهندس، وكان موجودا لأمور أخرى ليس لها علاقة بفيلمي، وطلب مني أن أزوره في مكتبه برفقة والدي وحدد الموعد، وذهبنا بعدما قرر منحي نفس الأجر عن فيلمي السابق 10 جنيهات.

خلال هذه الزيارة تحدث معي عن فيلمه الجديد “شمس لا تغيب” لزبيدة ثروت وشكري سرحان، وتصوير مشاهدي ستكون في الفيلم، وبالفعل اتفق مع والدي على التصوير، ويوم السفر إلى الفيوم وجدنا السيارة التي ستقلنا بها زبيدة ثروت، فهي كانت مقيمة بالقرب مني في شارع خلوصي، ونقلتنا سيارة واحدة لفندق أوبرج الفيوم، حيث بقيت هناك عدة أيام لتصوير الفيلم برفقة والدي.

● كيف وجدت تعامل الفنانة زبيدة ثروت؟

– في أحد مشاهد الفيلم سألتني زبيدة ثروت، هل “لأقبلك” في المشهد أم لا، فقولتلها “اللي تشوفيه”، وقبلتني بالفعل في المشهد، وعندما قمت بأداء مشهد الموت، صفق لي الفنان حسين رياض، وقال “انت هتكون ممثل كويس في المستقبل، لأنك بتنفذ المشهد زي ما المخرج بيقوله”.

من المواقف التي أتذكرها في «إشاعة حب» في كواليس التصوير، صرخة الفنان حسين رياض في وجهه، بعدما دخل الفندق من الباب الدوار ولم يستطع الخروج منه، فاعتقد حسين رياض انه يقوم باللعب في الباب وترك التصوير، لكن بعد الصراخ بدقائق، ذهب إليه وتحدث معه معتذراً عن انفعاله، وبرره برغبته في سرعة انهاء التصوير لوجود ارتباط لديه في القاهرة يومها يجب أن يعود إليه سريعا.

● كيف كان التعاون مع المخرج حلمي رفلة؟

– في إحدى المرات التقيت بالمصادفة المخرج حلمي رفلة وكنا في مكتب عز الدين ذوالفقار، وأخبرني أنه شاهد ما قدمته، ويرغب في تقديمي بشكل كوميدي للجمهور، وكان وقتئذ يحضر لفيلمه الجديد “شارع الحب” مع عبدالحليم حافظ، وقال لي “احنا عاوزينك في رقصة في الفيلم”، ورغم استغرابي لترشيحه فإنه قال جملة لا يمكن أن أنساها “الرقصة دي هتخربش في دماغ الناس 50 سنة”، وبالفعل وافقت.

كان حلمي رفلة منتج شاطر جداً، ويوفر الأموال بشكل كبير، واعطاني عن ظهوري في الفيلم 75 قرشا فقط، رغم أن التصوير استمر 3 أيام وليس يوما واحدا، لكنه لم يزد مليماً عن هذا المبلغ، ووافقت لأنني كنت احب الفن واعتبره هواية وليس عملا بأموال.

في يوم التصوير، وفروا الملابس لي، فكانت “جلابية وحزام وطربوش” وكنت اشبه شكوكو، وكان يفترض أن اقوم بوضع ماكياج قبل التصوير، وخلال هذا الوقت، سألني الماكيير من تفضل عبدالحليم أم فريد الأطرش، فقلت، احب فريد الأطرش أكثر ولم انتبه أن عبدالحليم حافظ موجود في نفس الغرفة، وعندما شاهدته، كررت نفس الجملة بأني أحب فريد، وسألني عن السبب، فأخبرته بأن فريد يقوم بالكتابة والتلحين لنفسه، فقال لي إنه يقوم بالتعاون مع أفضل الملحنين والمؤلفين.

من هذا الموقف، تحولت العلاقة التي تجمعني مع عبدالحليم لعلاقة صداقة قوية، فكان يعاملني كأني ابنه، خصوصا أنه كان يهتم بوجود أطفال في أعماله باعتبارها شريحة من المجتمع، وتعاونّا معاً بعد ذلك في “شارع الحب”، وكانت مشاركتي معه سببا في اختيار المخرج حسين فوزي لي للرقص مع نعيمة عاكف في فيلم “بحبك يا حسن”.

● ذكرت ان لك مشاهد محذوفة في فيلم «كهرمانة»؟

– رغم أنني شاركت في فيلم “كهرمانة” مع هدى سلطان فإن مشاهدي تم حذفها ولم اظهر في الفيلم، وكان ظهوري بمشهدين صورتهما في يوم واحد وحصلت على جنيه واحد كأجر، لكن الأهم من الأموال هو تعرفي في التصوير على فهمي عمر الإذاعي الكبير الذي رشحني للعمل في “ساعة لقلبك”، وعرفني على المؤلف

● حدثنا عن ساعة لقلبك؟

– كانت تجربة “ساعة لقلبك” من التجارب الاستثنائية في النجاح بالنسبة لي، ليس فقط لأنها حققت لي شهرة واسعة في مصر، لكن لأنني اكتسبت فيها خبرة كبيرة، وتعاونت مع عدد كبير من الممثلات والممثلين منهم أمال زايد، سامية رشدي وغيرهما، وكنت اذهب للبروفة كل أسبوع في مسرح الهوسابير بوسط القاهرة، ونقوم بالتسجيل يوم الجمعة بحضور الجمهور.

ورغم بطولتي للعديد من الحلقات في “ساعة لقلبك” للإذاعة فإنني لم اكن احصل إلا على 50 قرشا فقط، لأن العقد الخاص بي هو عقد طفل، بينما باقي الأبطال عقدهم بـ 12 جنيهاً، واستمررت في خوض هذه التجربة فترة طويلة وقدمت مجموعة حلقات سعدت بها.

● صف لنا اللقاء مع الفنان إسماعيل ياسين.

– رشحني المخرج حسن الصيفي للمشاركة مع اسماعيل ياسين في فيلم “اسماعيل ياسين في السجن”، وكنت اقوم بدور الطفل الذي يحب ابنة الجواهرجي، كان هذا الفيلم أول عمل أوقع فيه عقد عمل باليوم، وكان يوم التصوير بخمسة جنيهات، وأتذكر أن الرقابة حذفت مشهد حب بيني وبين الطفلة ابنة الجواهرجي، وكان من المشاهد الجميلة بالنسبة لي، وهذا الفيلم كان بداية تعارفي على إسماعيل ياسين.

● ما حكاية البطولة الأولى؟

– عندما شاهدني للمرة الأولى في الأستوديو الأستاذ رمسيس نجيب المنتج، قال لي “أنا ما صدقت لقيتك، بدور عليك من زمان” وهنا كانت بداية حديث معه أثناء تصوير أحد مشاهدي في فيلم اخر وآخبرني بأنه يبحث عني لأن هناك فيلما يرغب في تقديمه، وبحاجة إلى طفل مثلي وكانت تجربة “سر طاقية الاخفاء” التي اعتبرها من أهم الأعمال السينمائية في تجربتي.

وبعد أول لقاء مع رمسيس نجيب في مكتبه ومعه مخرج الفيلم نيازي مصطفى طلب مني أن أتوجه لمدير الإنتاج في المكتب المجاور له، وكان رجلا صعبا في لغة تفاهمه، وقال لي “الفيلم ده بطولة مكنتش تحلم بيها وهتاخد 30 جنيه”، وطريقته كان مبالغاً فيها بالحديث ولم تعجبني ووالدي بجواري، فانفعلت عليه وارتفع صوتي وهنا قام رمسيس نجيب برن جرس مكتبه ليطلب فهم ما يجري ودخلنا إليه بالفعل.

سأل رمسيس عن سبب ارتفاع صوتي وقلت له ما حدث، فسألني “انت عاوز كام” فأخبرته أنني أريد “50 جنيه” فطلب من مدير الانتاج أن يبرم العقد بـ60 جنيها من أجلي ولإعجابي به، وكل هذا ووالدي لم يتدخل في الحوار مطلقاً، فقد كان، رحمه الله، يتركني افعل ما اراه مناسباً ويدعمني عندما أسأله.

لم يكن تصوير الفيلم صعبا، لكن المشكلة كانت في مشاهد الخدع، والتي استخدمت فيها تقنيات حديثة آنذاك، فكنا نقوم بالتصوير بزوايا محددة وبطرق مختلفة حتى نقدم الصورة النهائية، وخلال التصوير لم اكن احفظ النص الذي اقوله ولا أقرأه، لأن هناك الكثير من الكلمات لم اكن اجيدها بالفعل، لذا كنت افهم المضمون واعبر عنه بطريقتي.

● كم كان أجرك نظير مشاركتك في إشاعة حب؟

– حصلت في فيلم “اشاعة حب” على 10 جنيهات كأجر تصوير على يومين، وكان المخرج فطين عبدالوهاب يريد مني ان اظهر في مشهد واحد فقط بالمسرح، لكني تحدثت معه برغبتي في ظهور بشكل مختلف، خصوصا أن الجمهور كان يعرفني آنذاك، وهو ما دفع الفنانة هند رستم لاقتراح اجراء تعديل، وهي من اقترحت تقديمي على المسرح وقمت أنا بإضافة النكتة التي قلتها على المسرح ضمن حفل أضواء المدينة، وكل هذه الأمور لم تكن موجودة في السيناريو من الأساس.

● بعد نكسة 67 ابتعدت عن الفن… لماذا؟

– توقف الفن المصري بشكل كامل بعد نكسة 1967، ووقتئذ كنت في الصف الثاني الثانوي، وبدأت افكر في مستقبلي، وركزت في الدراسة وابتعدت عن الفن، ودرست في المعهد الصناعي العالي قسم اتصالات، وهو تخصص حديث وقتئذ، وبعد تخرجي التحقت بالعمل في رئاسة الجمهورية بمكتب الرئيس، وهناك بدأت مسارا مختلفا في تطوير مهاراتي الشخصية، وحصلت على بكالوريوس تجارة ثم سافرت عدة مرات إلى الولايات المتحدة، للحصول على دبلومات هندسية في تخصصي، ومع بلوغي سن المعاش كنت الوحيد في القسم الخاص بي الذي يحصل على قلادة تقديرية من الرئيس الأسبق حسني مبارك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى