يرى فريق من الباحثين أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من أجهزة الحواسيب التقليدية
في تجربته الشهيرة، علّم الفيزيولوجي الروسي إيفان بافلوف Ivan Pavlov كلبه على أن يربط بين حصوله على الطعام ورنين الجرس إلى درجة بدأ معها لعاب الكلب يسيل فور سماعه صوت الجرس. فقد برهنت تلك التجربة على التعلم الترابطي “Associative learning: كيف يمكن خبراتنا وذكرياتنا أن تؤدي إلى أفكار غير ذات صلة يرتبط بعضها ببعض في أدمغتنا بمرور الزمن”.
حاليا، طور فريق من الباحثين من جامعة نورث وسترن Northwestern University، وجامعة هونغ كونغ University of Hong Kong جهازا يمكنه أن يتعلم بمرور الزمن بالطريقة نفسها محاكيا دماغ الإنسان. ويقول العلماء إن هذه التكنولوجيا يمكن أن تكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من أجهزة الحواسيب التقليدية، وحتى يمكنها الاستمرار في العمل بسلاسة عندما تفشل بعض المكونات.
يحتوي الدماغ على مشتبكات عصبية تربط الخلايا العصبية بعضها ببعض، وتمرر الرسائل بينها باستخدام مواد كيميائية تسمى النواقل العصبية Neurotransmitters. وتؤدي تقوية الاتصال بين خليتين عصبيتين إلى خلق الذاكرة.
بإلهام من هذه العملية، طور الفريق “الترانزستور المشتبكي” Synaptic transistor، وهو جهاز عضوي كهروكيميائي يمكنه حبس الأيونات، فالأيونات تتصرف مثل النواقل العصبية، ويسمح حبسها للترانزستور بـ”تذكر” النشاط السابق. وتتيح هذه العملية للجهاز تكوين ارتباطات بمرور الزمن.
صمم الفريق الجهاز وكيفه للربط بين الضوء والضغط. في البدء جعلوا مصباح LED يصدر نبضات من الضوء، ليلتقطها الجهاز بمستشعراته الضوئية Light sensors، واتبعوا ذلك على الفور بالضغط على مستشعرات الضغط Pressure sensors في الجهاز بعد عدة دورات تدريبية شكلت الدائرة ارتباطا واضحا Significant association بين الضوء والضغط، إذ بدأت بإنتاج إشارة مقابلة للضغط بمجرد استشعارها بوميض الضوء.
قال د. جوناثان ريفناي Jonathan Rivnay، الأستاذ المساعد في الهندسة الطبية الحيوية من جامعة نورث وسترن Northwestern University وأحد كبار مؤلفي الدراسة: “على الرغم من روعة الحاسوب الحديث، فإن الدماغ البشري يمكن أن يتفوق عليه بسهولة في بعض المهام المعقدة وغير المنظمة، مثل التعرف على الأنماط والتحكم في الحركة والتكامل متعدد الحواس Multisensory integration”.
وأضاف: “هذا بفضل مرونة Plasticity المشتبكات، وهي لبنة البناء الأساسية للقوة الحوسبية للدماغ، فهذه المشتبكات تمكن الدماغ من العمل بالتوازي تماما، وتتحمل الأخطاء وتتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة”.
الروبوتات
وفي موضوع حول قدرة الروبوتات على التعامل مع البشر وما مدى تأثير ذلك في الإنسان تستعرض المجلة تساؤلا مهما طرحته إحدى الدراسات، هل تعتقد أن الروبوت يمكن أن يكون مقنعا بأي شكل من الأشكال؟ قد تصل إلى هذا الاقتناع بعد أن تشعرك تربيتة منه على يدك بالاطمئنان على الأقل، هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة مثيرة للاهتمام تقصت كيف يمكن أن تؤثر لمسة من روبوت في البشر.
في الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة دويسبورغ إيسن -University of Duisburg Essen الألمانية شارك 48 طالبة في محادثة توجيهية مدرسية بنحو فردي مع الروبوت ناو (Softbank Robotics ‘NAO). فيما اكتفى الروبوت بتحريك يده نحو بعض المشاركين المجموعة الضابطة Control group) ربت على أيدي الآخرين ثلاث مرات. وما يلفت الانتباه أن العلماء لاحظوا أنه في حين ابتسم أغلبية المشاركين بل ضحكوا عندما أدى هذه الحركة خاصة إذا أتى بها في نهاية الحادثة. لم يبتعد أي منهم عن الروبوت.
مقارنة بالمجموعة الضابطة، أبلغ الطلبة الذين السهم الروبوت عن مستويات أعلى من الشعور بالارتياح العاطفي (كما قيس ذلك من خلال استبانة ما بعد التجربة). كما أظهروا اهتماما أكبر بمساق أكاديمي محدد اقترحه الروبوت في أثناء المحادثة كان الطلبة الذين تلقوا التربية أكثر ميلا إلى منح الروبوت درجة أعلى على نحو طفيف عند تقييم جاذبيته الخارجية (مع أن هؤلاء المشاركين أعطوا الروبوت ناو في المتوسط تقييمآ ضعيفة بين 25 و5 درجات).
قال كاتبا الورقة البحثية د.لورا هوفمان Laura Hofmann والبروفيسورة نيكول كرامر Nicole Kramer: “إن لمسة الروبوت غير الوظيفية مهمة بالنسبة إلى البشر. فالتربيت الخفيف على أيدي المشاركين من البشر في أثناء المحادثة حسن مشاعرهم وجعلهم أكثر امتثالا لطلب الروبوت”.
وأشار أيضا إلى أنه “إضافة إلى ذلك من اللافت للنظر أن مجرد التربيت على ظهر أيدي المشاركين ولد مثل هذا التأثير، وقد يؤدي استخدام لمسة أكثر تعقيدا وأطول يؤديها الروبوت إلى زيادة المشاركة والامتثال”.
كما يجادل الباحثون، فإن هذه الدراسة الصغيرة تقترح- وهي من أولى الدراسات التي تفحص تأثير لمسة يبادر بها روبوت، أنه من خلال استخدام التربیت المريح، يمكن للموجه الروبوتي إقناع المرضى بنحو أفضل بالانخراط في أنشطة صحية مثل التمارين الرياضية.
ومع ذلك فقد حذروا من أن جوانب كثيرة من التفاعلات بين الإنسان والروبوت معقدة، ومازال يتعين تعلم مزيد حول الفرق بين اللمسة البشرية وتلك الروبوتية.
المصدر: مجلة مدار
سلسلة مقالات تنشر بالتنسيق مع التقدم العلمي للنشر.