بعد أسابيع من تباين المعنويات في سوق الأسهم الأميركي، هدأ المستثمرون نسبيا وتراجعت مخاوفهم بشكل كبير، بعد تفاديهم المخاطر المحتملة لارتفاع التضخم المرتقب بالتزامن مع انتعاش الاقتصاد، وذلك بتعهد مباشر من الاحتياطي الفيدرالي بإبقاء الأمور تحت السيطرة.
هذا الاطمئنان انعكس في تراجع مؤشر الخوف في سوق الأسهم الأميركي «Vix»، والذي يقيس مستوى التقلبات في وول ستريت، حيث يحوم حاليا حول مستوى 17 نقطة، مقارنة بـ 33 نقطة في يناير الماضي و45 نقطة قبل عام بالضبط.
في الثامن من أبريل، لامس المؤشر أدنى مستوى له في 52 أسبوعا عند 16.20 نقطة خلال الجلسة، وحتى مع ارتفاعه فوق 17 في الأسابيع القليلة الماضية، فإنه لا يزال عند أقل مستوياته منذ فبراير عام 2020، أي قبل إعلان «كوفيد- 19» جائحة عالمية.
ومع ذلك، ورغم أن أفق الأسواق يبدو أكثر صفاء، حيث يرى المستثمرون تدفقات نقدية ضخمة من الحكومة الأميركية للإنفاق على البنية التحتية، وحزم دعم مالي للأسر، وتسارع جهود التطعيم، ما يعكس صورة مشرقة للاقتصاد الكلي، فإن انخفاض التقلبات قد يكون مدعاة للقلق.
هل انقشع الغمام؟
مؤشر الخوف عند مستواه الراهن قرب 17 نقطة مئوية، يشير إلى توقع السوق احتمالية نسبتها 13% لانخفاض الأسهم بنسبة 5% أو أكثر في الشهر المقبل، ويقارن ذلك بفرصة تزيد على الضعفين في الصيف الماضي عندما كان المؤشر فوق 30 نقطة.
عند مستواه الحالي، يعد مؤشر الخوف أقل من المتوسط المتحرك لمدة 50 يوما البالغ 22.20 والمتوسط المتحرك لمدة 200 يوم البالغ 24.87، وفي الأدبيات المالية، يعرف خط المتوسط المتحرك لمدة 50 يوما بأنه محدد الاتجاه قصير المدى فيما يعرف المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم بمحدد الاتجاه طويل الأجل.
ويقول آخر، فعندما ينخفض خط المتوسط المتحرك لمدة 50 يوما إلى ما دون خط المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم، يصبح الاتجاه الهبوطي طويل الأجل لمؤشر التقلب احتمالا قويا، وهذا ينبغي أن يعكس ارتفاعا كبيرا في الأسهم.
لكن هذا لا يعني أن السوق أصبح راضيا عن نفسه، فالتقلبات الطارئة ليست مقياسا لمزاج السوق، وإنما تقيس بشكل ثانوي تصرف المتداولين لأسباب أخرى، وإذا كان المتداولون راضين، فجميعهم يشترون، وبالتالي فإن التقلبات ستكون عالية لأن الأسعار سترتفع كثيرا، وهذا ما حدث في فقاعة التكنولوجيا لعام 1999.
على النقيض من ذلك، تكون التقلبات منخفضة عندما يختلف المتداولون بشأن التفاؤل والتشاؤم، في هذه الحالة، يجد المشترون بائعين سريعا، والعكس صحيح، وبالتالي لا تتحرك الأسعار كثيرا، وهنا يكون التقلب المنخفض علامة على التباين وليس الرضا عن الذات.
بناء عليه، فإن الفطرة السليمة تخبر بأن التقلبات المنخفضة تعني مخاطر منخفضة وبالتالي ينبغي توقع عوائد منخفضة، حيث من الطبيعي أن تجني الأصول الأكثر أمانا أقل من الأصول الخطرة، وبالتالي، يجب أن يشير مؤشر «فيكس» المنخفض إلى نفاد قوة اندفاع السوق الأميركية.
ما يشكل لغزا، هو أنه خلال معظم السنوات الثلاثين الماضية، لم يؤد انخفاض التقلب إلى عوائد أقل، والعكس هو ما حدث بالضبط، فمنذ عام 1990، كان هناك بالفعل علاقة عكسية بين مؤشر الخوف والعوائد الشهرية اللاحقة على الأسهم الأميركية.
الأمور تغيرت
أدى التقلب المنخفض بشكل غير عادي في عامي 2017 و2019، إلى ارتفاع السوق، لكن التقلب الشديد أدى إلى بعض الانخفاضات الكبيرة مثل في سبتمبر 2008، عندما سجل المؤشر أعلى مستوى قياسي في ذلك الوقت، وانخفضت الأسهم بنسبة 17% في الشهر التالي.
ومنذ عام 1995 وحتى 2016 كانت العلاقة بين مؤشر الخوف وعائدات الأسهم الأميركية عكسية وأحيانا عكسية جدا، مما يعني أن التقلب المنخفض يدفع السوق إلى توقع عائدات أعلى، وهو ما يخالف الفطرة السليمة، لكن على أي حال، أصبح الارتباط بينهما طرديا بعد ذلك.
ويناسب الارتفاع القوي لمؤشر «إس آند بي 500» في آخر 12 شهرا هذا النمط، لقد حدث ذلك على خلفية تقلبات أعلى من المتوسط، وأدى ارتفاع المخاطر إلى عوائد عالية، تماما كما تتنبأ الفطرة السليمة، حسب موقع «أرقام».
رغم ذلك، في عام 2015، نشرت ورقتان أكاديميتان، واحدة من قبل «أندرو لو» من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والأخرى بواسطة «تايلر موير» من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس و«آلان موريرا» من جامعة روتشستر.
أظهرتا أنه كان بإمكان المستثمرين تحقيق عوائد جيدة عن طريق تقليل التعرض للأسهم عندما يرتفع مؤشر «فيكس» وزيادته عندما ينخفض المؤشر، وغذت هذه النتائج التوسع فيما يسمى بتداولات تكافؤ المخاطر والتي اتبعت هذا النمط الموصى به.
لكن مع انخفاض التقلبات وشراء متداولي التكافؤ في المخاطرة المزيد من الأسهم، فإن أسعار الأسهم ترتفع، وهذا الارتفاع يعني عوائد أقل لاحقا، ولذلك فإن مفهوم «تقلبات منخفضة/ عائدات أعلى» مستبعد.
عائدات المستقبل
للأسف، تحديد ذلك ليس بهذه البساطة، لسبب واحد، ففي حين أن العلاقة بين مؤشر الخوف والعوائد اللاحقة باتت إيجابية، مما يشير إلى أن التقلبات المنخفضة تتنبأ بعوائد أقل من المتوسط، إلا أنها (العلاقة) ليست قوية جدا في النهاية.
من ناحية أخرى، تعلم الدروس ليس أمرا دائما، وكما يقول «لو»، فإن استراتيجيات الاستثمار تتلاشى، وإذا قام متداولو تكافؤ المخاطر بخفض مراكزهم أو الخروج من السوق، فسيعود الشذوذ القديم «منخفض المخاطر/ مرتفع العائد».
في الوقت الحالي، لا يوجد دليل على احتمال حدوث ذلك، وتظهر بيانات من «هيدج فاند ريسيرش» أنه في حين خسر متداولو التكافؤ في المخاطرة أموالهم في الربيع الماضي (مع ارتفاع التقلبات بشكل حاد)، فإنهم فعلوا ما يكفي في الأشهر الأخيرة للبقاء داخل السوق.
بالطبع كلما كانت مراكزهم المالية كبيرة فإن عائداتهم ستكون أقل، وبالتالي، فإن الانخفاض في التقلب هو بالفعل سبب للقلق إزاء من الأسهم الأميركية، لأنه في ظل هذه الظروف، يعني أن العائدات ستكون ضعيفة.
المقياس ليس كل شيء
بعيدا عن القياسات الفنية، والتي تربط مستوى المؤشر بتحركات الأسهم وعائداتها، فإن هبوط «فيكس» بهذا الحد، رغم أنه قضى على كثير من الكآبة التي تملكت المستثمرين بسبب الوباء، فإن بعض مديري الأموال لا يشعرون بالراحة بعد.
ووفقاً للمتداولين في «Assenagon GmbH» التي تدير 27 مليار يورو من الأصول (32 مليار دولار) في ميونخ، فإن التراجع الأخير في مقياس الخوف في وول ستريت إلى مستويات ما قبل الوباء يخالف «التوتر الذي يختمر خلف مشهد الهدوء» المتعلق بالتقلبات.
ورغم هبوط المؤشر تحت المستوى النفسي 20 نقطة، تظهر مجموعة كبيرة من المؤشرات الفنية أن المستثمرين ما زالوا يتدافعون إلى التحوط ضد الهبوط، ويشير الطلب المرتفع على التحوط إلى أن الأمور ليست على ما يرام بالنسبة للموجة الصاعدة للأسهم، وإذا صحت هذه الرؤية فإنها تقلل من مصداقية ودلالات مؤشر الخوف.