أخبارإقتصاد

لماذا يتدافع الجميع نحو مفهوم «العمل المستقل» الآن؟

خلال 2020 عام جائحة كورونا أو بالأحرى عام العمل عن بُعد بامتياز، انصب اهتمام أطراف سوق العمل والعالم بأسره على التطورات التي قادتها التكنولوجيا وأثبتت قدرة السوق على المضي بثبات حتى في أحلك أوقات البشرية.

لا شك طبعا أن الكثيرين فقدوا وظائفهم وكان العام عصيبا، وحتى الآن لايزال العالم يقاتل من أجل استعادة ما فقده في هذه الفترة، وحتى مع نجاح تجربة العمل عن بعد فإنها لم تخل من الشوائب، ولعل أبرز المخاوف المتعلقة بها كانت تلك المرتبطة بالصحة العقلية.

وظهر مصطلح جديد للدلالة عن إنهاك واستنزاف الموظفين في الاجتماعات الافتراضية وهو «إجهاد زووم»، في إشارة إلى التطبيق الذي اكتسب شهرة كبيرة على مدار العام الماضي، حيث لعب دورا رئيسيا في تنظيم الاجتماعات عالميا.

لكن في الحقيقة، الضغوط النفسية بالتزامن مع بداية الجائحة كانت كبيرة للغاية، والتقارير المتزايدة عن الاضطرابات النفسية والاعتداءات المنزلية، ولم تكن بالأساس ذات صلة بالعمل من المنزل، ولكن بسبب «الحصار المنزلي» الذي فرضه حظر التجول وعمليات الإغلاق الشاملة.

الباحثون في جامعة جوتنبرغ، خلصوا في دراسة إلى أن نحو 14% من النساء العاملات عن بعد شعرن بالإجهاد نتيجة ذلك، مقابل نسبة أقل للرجال بلغت نحو 6%، وهي معدلات تبدو منخفضة كثيرا، وتبدو غير مؤثرة تقريبا إذا أخذنا في الاعتبار أنها تشير إلى «الاجتماعات الافتراضية» الممتدة فقط وليس المفهوم الأكبر للعمل عن بُعد، خاصة مع رفع قيود الحركة التي تحبس المواطنين داخل البيوت.

ولا يمكن إنكار الجانب الإيجابي الواسع للمرونة التي يشكلها مفهوم العمل عن بعد، وهي إيجابيات ليست بجديدة، وكانت دائما من مكتسبات اقتصاد العمل الحر أو العمل المؤقت، حيث يمارس كل موظف عمله بطريقته الخاصة وفي المكان الذي يحلو له، وهو ما يدفع الكثيرين الآن بحثا عن اللحاق بهذا الركب.

صعود العامل الحر

حتى قبل الوباء، كان العمال المستقلون جزءا متزايدا من القوة العاملة الأميركية، ووفقا لأحد التقديرات السابقة، شارك أكثر من ثلث العمال في اقتصاد الوظائف المؤقتة، وفي عام 2020، ارتفعت أجورهم ومشاركتهم، يرجع ذلك جزئيا إلى الطبيعة المتقلبة للاقتصاد والمعنويات في العام الماضي.

وتقول «ستيفاني نادي أولسون» المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «We Are Rosie»، وهي شركة مواهب حسب الطلب: كان على الناس تسريح أصدقائهم، وكانوا مترددين في بناء نسخ دعم احتياطية، لكن أصبحوا منفتحين على النماذج الهجينة وتساءلوا حول كيفية إعادة بناء أعمالهم بطريقة خالية من المخاطر.

شركة «وي آر روزي» التي تتخذ مقرا في أتلانتا الأميركية، هي شبكة مستقلة من المواهب التسويقية تساعد العلامات التجارية والوكالات في العمل، وفي استجابة جزئية للوباء، أطلقت شركة تابعة «Rosie Recruits»، والتي تسمح لأصحاب العمل والموظفين بتجربة بعضهم البعض لمدة 6 أشهر.

هذا التحول في ديناميكيات القوة الدافعة للسوق هو مفتاح صعود العامل المستقل، خاصة بعدما دفع الوباء الناس إلى إعطاء الأولوية للقيم والغرض في مكان عملهم، فيما يجبر عدم اليقين الاقتصادي أرباب العمل على فعل المزيد بموارد أقل.

كما دفعت حركات مجتمعية مثل «حياة السود مهمة» نحو المزيد من التدقيق والتأمل، من الشركات الناشئة إلى المؤسسات الأميركية الضخمة، بشأن قضايا المساواة في الأجور، والإدارة، والتنوع عبر جميع درجات الشركة.

وأظهر استطلاع للتوظيف حديثا أن 92% من المشاركين، يعتقدون أن الوقت مناسب للنظر في عمل الوظائف المؤقتة، وقال أكثر من النصف إنهم يرغبون في عقد طويل الأجل بساعات مرنة، وحتى مع عودة الأميركيين إلى العمل المعتاد، تظل هذه الرغبة في المرونة قائمة.

وثلاثة أرباع أولئك الذين يتركون الشركات للعمل لحسابهم الخاص، أفادوا بأنهم يجنون أموالا أكثر من الوظائف التقليدية، فيما توفر بعض وكالات التوظيف أيضا الرعاية الصحية وشيكات الرواتب المنتظمة، من بين مزايا أخرى لهم، والأهم من ذلك، تسمح طبيعة العمل للموظفين باختيار ما يعملون عليه، وتجنب المشاريع الروتينية أو الرتابة.

اتجاه المستقبل

يؤمن مايكل سالويو مؤسس تطبيق وشركة «Huddle» التي تصف نفسها بأنها موطن العمال المستقلين ذوي المهارات العالية، بثلاثة تنبؤات رئيسية تشكل رؤيته، أولها أن العمل عن بُعد هو المستقبل، وثانيها أن مستقبل قيادة الشركات سيكون مجزأ، وثالثها أن العمال يريدون جزءا من ملكية الشيء الذين يساهمون في إنشائه.

وعندما يفكر معظم الناس في المتعاقدين المستقلين أو العمل المؤقت، فإنهم يفكرون في المواهب الصغيرة، ويشير «سالويو» إلى مثال لمصمم كبير ترك شركة «إير بي إن بي» بعد الاكتتاب العام الناجح العام الماضي، إذا لا يمكن أن يجذب المشهد الحالي للعمل المؤقت تلك الموهبة.

ويقول «سالويو»: مثل هؤلاء الأشخاص تجدهم من خلال شبكتك، يبحث مؤسسو الأعمال عن فريق الأحلام من الأشخاص الذين استثمروا حقا في المشروع، لكن عملية العثور عليهم شاقة للغاية.

وتسمح القيادة المقسمة للشركات الناشئة بالعثور على المواهب ذات المهارات العالية الراغبة في العمل بدوام جزئي، ويستخدم «سالويو» مثالا حول رئيس قسم التسويق، قائلا: أريده متمرسا، لكن لا يمكنني تحمل تكاليف توظيفه بدوام كامل، لذلك سأقوم بتوظيف مدير تسويق لمدة يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع.

ويضيف «سالويو»: وظفهم أثناء نموك، يمكن للعاملين المستقلين لدينا كسب أسهم في الشركات التي نربطهم بها، إذ يريد الأشخاص أصحاب المهارات الأكثر طلبا مساهمة أكبر في مشاريعهم.

فيما يقول «جودي جرينستون ميلر»، أحد مؤسسي مجموعة «Business Talent Group» التي توفر للشركات مستشارين مستقلين عند الطلب: كانت الجائحة فترة غير معتادة، وكان هناك انفتاح أكبر على الفكرة القائلة بأنه يمكنك العمل مع شخص ليس موظفا بدوام كامل، فمن الصعب جدا التنبؤ بمن سينجح، لذا تريد أكبر عدد ممكن من الموظفين.

التوسع مستمر

في حين لاتزال المناقشات والجدال بين السياسيين وقطاع الأعمال مستمرا حول حقوق العمال والحكومات لدى الصناعات الناشئة التي تشكل جزءا كبيرا من اقتصاد الوظائف المؤقتة أو العمل عن بُعد، فإن هذا الاقتصاد آخذ في التوسع الشديد، وهو ما ينذر بمزيد من الطلب والتحسن في جودة الوظائف المتوافرة.

ووفقا لدراسة جديدة حول اتجاهات اقتصاد الوظائف المؤقتة أجرتها شركة «daVinci Payments»، فقد شارك 93 مليون عامل في هذا القطاع في أميركا خلال عام 2020، بزيادة قدرها الثلث عن عام 2019، وارتفع الدخل الجماعي لهم بنفس المقدار إلى 1.6 تريليون دولار من 1.2 تريليون دولار.

ويبدو أن الأمر لا يتعلق بالمال فقط، إذ يقول رودني ماسون كبير مسؤولي التسويق في «دافينشي بايمنتس»، إن الاكتشاف الكبير للدراسة كان معرفة أن عمال الوظائف المؤقتة «لا يفعلون ذلك فقط لزيادة الدخل، ولكن أيضا لأنهم يحتاجون إلى الراحة في حياتهم، ويساعدهم هذا المفهوم بطرق لا تستطيع الأنواع الأخرى من المهن القيام بها».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى