ارتفعت قيمة الدولار الأميركي بنحو 3.5% خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذا العام، مصحوبة بارتفاع في عائدات سندات الخزانة التي لامست أعلى مستوياتها في 14 شهرا في أواخر مارس الماضي، مدعومة بالتفاؤل حيال النمو في الولايات المتحدة وخطط الإنفاق الضخمة.
بعيدا عن عائدات سندات الخزانة التي عادة ما تزعج سوق الأسهم الأميركي، فإن الاتجاه الصعودي للدولار يسبب قلقا واسعا في الأسواق الناشئة التي تحلم باجتذاب المزيد من التدفقات النقدية هذا العام في إطار سعيها للتعافي من تداعيات الجائحة.
توقع معهد التمويل الدولي تدفق ما يزيد على تريليون دولار من الاستثمارات الأجنبية إلى الأسواق الناشئة هذا العام (الرقم تغير بقدر يكاد لا يذكر عن عام 2020)، بيد أن هذه التدفقات قد تكون في مرمى الخطر من ارتفاع قيمة الدولار وتزايد جاذبية الأصول الأميركية.
على أي حال، لا يبدو الصعود حتميا في الأشهر القادمة بالنسبة للعملة الأميركية، خاصة في ظل تعهد الاحتياطي الفيدرالي بعدم رفع الفائدة، لمواجهة التضخم المحتمل مع الإنفاق الحكومي والاستهلاكي الهائل على حد سواء.
الأسواق الناشئة تئن
في ديسمبر الماضي، توقع 52% من عملاء بنك الاستثمار الفرنسي «Natixis» أن تتفوق الأسواق الناشئة على الاقتصادات الكبرى، كما أشار إجماع توقعات السوق إلى انتعاش قوي للعملات المتضررة من تداعيات الجائحة مدفوعة بالانتعاش الاقتصادي العالمي مع ضعف الدولار والسياسة النقدية المتساهلة في الولايات المتحدة.
لكن الأمور لم تسر على هذا النحو، وفي الربع الأول من العام، ارتفعت أسهم الأسواق الناشئة بنحو 5%، أي أقل بكثير من الزيادة البالغة 9% في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، وكان أداء عملات الاقتصادات النامية أقل من المتوقع، فيما ارتفع الدولار بأكثر من 3%، حسب موقع «أرقام».
وتراجعت جميع عملات الأسواق الناشئة تقريبا مقابل الدولار منذ أواخر فبراير، مع انتعاش طفيف في بداية أبريل، لكن الدولار لا يزال أقوى بنسبة 9% مقابل الريال البرازيلي و5% مقابل الروبل الروسي منذ بداية العام، كما زاد مقابل البيزو المكسيكي واليوان الصيني.
وكان ارتفاع العائد على السندات الحكومية الأميركية هو الضربة الرئيسية لسيناريو انتعاش الأسواق الناشئة في الربع الأول، نظرا لأن المستثمرين انتقلوا إلى تسعير العودة الصاخبة للاقتصاد الأميركي، فرفعوا العائدات بشكل حاد، مما زاد من جاذبية الأصول الأميركية في وقت تقترب فيه العائدات في الأسواق الناشئة من أدنى مستوياتها التاريخية.
الآن بعد أن أدت مخاوف التضخم المتزايدة إلى دفع العائدات إلى الارتفاع، فقد أصبح هذا يمثل مشكلة لمحافظي البنوك المركزية في الأسواق الناشئة، وسيتعين على بلدان مثل جنوب افريقيا والبرازيل وغيرهما رفع الفائدة أسرع بكثير من ذي قبل لكبح التضخم ومنع تراجع عملاتها.
لكن رفع الفائدة بسرعة كبيرة يمكن أن يقضي على التعافي الاقتصادي. في حين لا يتوقع المستثمرون رفع الفائدة في أميركا، فمن المحتمل أن ترتفع في البرازيل بأربع نقاط مئوية، ما يعكس سوء الوضع الذي سيكون فيه اقتصاد البلاد.
الدولار يواصل التقدم
مكاسب الدولار لهذا العام والتي جاءت بعد انخفاض بنسبة 6.7% في 2020، تعكس مرونة غير متوقعة ولها آثار على الأصول الأخرى، ويقول محللون إن معاناة أوروبا في طرح اللقاحات أحد أسباب الارتفاع، ومع تزايد الإصابات وعمليات الإغلاق تتدهور توقعات النمو الاقتصادي لمنطقة اليورو، مما يترجم إلى ضعف العملة الموحدة.
وفي الوقت نفسه، قد يعني الأداء الاقتصادي القوي للولايات المتحدة تباينا في السياسة النقدية، حيث من المقرر أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في تشديد السياسة النقدية بسرعة أكبر نسبيا من البنك المركزي الأوروبي، وهذا قد يعني تسارع وتيرة ارتفاع الدولار في العام الحالي، بحسب «بنك أوف أميركا».
كما أن التراجع الحاد للأسهم العالمية والأصول الأخرى التي ينظر إليه على أنه محفوف بالمخاطر من المرجح أن يزيد من قوة الدولار، بالنظر إلى الدور التقليدي للعملة كملاذ خلال فترات تقلبات الأسواق المالية.
وتتوقع «كابيتال إيكونوميكس» أن يرتفع الدولار مقابل الين واليورو لأن عائدات السندات في اليابان ومنطقة اليورو لديها أقل مجال للارتفاع، ويبدو أن صانعي السياسة هناك أقل استعدادا لقبول عوائد أعلى على المدى الطويل.
هل تدوم المكاسب؟
عندما يتعلق الأمر بعوائد السندات، فإن ارتفاع العوائد الحقيقية كان مهما لتوقعات العملة. بدأت العائدات الحقيقية (العائدات المعدلة للتضخم)، في الارتفاع مع تسعير الأسواق لاحتمال تشديد السياسة النقدية مبكرا، ومع زيادة الفارق في العائدات الحقيقية بين أميركا وبقية العالم، يجب أن يصبح الدولار الأميركي أقوى.
من المرجح أن تؤدي الحزمة البالغة أكثر من تريليوني دولار من الإنفاق الحكومي المتوقع على البنية التحتية والتعافي الاقتصادي للولايات المتحدة إلى ارتفاع عائدات السندات ودعم الدولار بشكل جيد على المدى القريب، مما يؤدي إلى إعادة تقييم الرهانات مقابل العملة.
لكن هذا الاتجاه لا ينبغي أن يدوم طويلا، فمع تلاشي المعنويات المدفوعة بالتحفيز المالي، ولحاق بقية العالم بركب الولايات المتحدة في التطعيم، ومع قدرة الاقتصادات على الانفتاح والعمل، ستتجه أنظار المستثمرين إلى الأصول خارج الولايات المتحدة.
وفي مسح لوكالة «رويترز»، قال أكثر من 85% من المحللين، أو 48 من 56 محللا، إن قوة الدولار الحالية ستستمر شهرا آخر على الأقل، ومن بين الـ 48، قال 11 إنه سيستمر من 3 إلى 6 أشهر، فيما قال 16 إنه سيستمر أكثر من 6 أشهر، وبعضهم قال إن انتعاش الدولار انتهى بالفعل.
وبعيدا عن الأداء المتفوق على المدى القصير، توقع الاستطلاع الذي أجري في الفترة من 26 إلى 31 مارس وشمل أكثر من 65 استراتيجيا في سوق العملات الأجنبية، أن الدولار سيضعف على مدى 12 شهرا.
ومن المتوقع أن يكون اليورو أحد أبرز الفائزين مع انحسار مكاسب الدولار وتحسن أداء سوق الأسهم في المنطقة (نظرا لطبيعته الدورية التي تستفيد من النمو)، إلى جانب التوسع في عمليات التطعيم.
وبالمثل، ينبغي أن يترجم ضعف الدولار الأميركي إلى عملات أقوى في الأسواق الناشئة بمرور الوقت، هذه الأسواق هي المستفيد الأساسي من انتعاش عالمي متزامن بشكل أفضل، خاصة مع السماح بالسفر الدولي بحرية، كما ينبغي أن يحسن الاستقرار في أسعار السلع آفاق مصدري السلع الأساسية.