( العراق ) : الحراك العربي يصطدم بإيران
أدت الحوادث المأساوية التي شهدتها مصر في الأيام الماضية الى تأجيل القمة الثلاثية المفترض انعقادها في بغداد في اللحظات الأخيرة، حيث تجمع الرئيس المصري والعاهل الأردني مع القادة العراقيين، لمتابعة تفاهمات القمم السابقة في القاهرة وعمان، واتفاقات حول الاستثمار والخبرات الصناعية والربط الكهربائي، بموازاة الحوار العراقي – الخليجي الواعد.
لكنّ مصادر وثيقة الاطلاع في بغداد، قالت إن الرئيس برهم صالح تلقّى اعتذارا مشتركا من القاهرة وعمان، وطلبا تأجيل القمة، لأنّ التوصيات الاستخبارية اتجهت نحو ذلك، بعد حادث انتشار المسلحين الموالين لإيران في شوارع العاصمة الخميس الماضي.
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قد أدلى بتعليق مقتضب على حادث انتشار المسلحين، وقال إنهم يريد منع العراق من العودة إلى التواصل مع محيطه العربي بشكل سليم، وكانت خطوة المسلحين جاءت أيضا بعد ساعات من مغادرة وزير خارجية قطر لبغداد، وحديثه عن إجماع خليجي حول مساعدة العراق في مرحلة توتر صعبة وشبه انهيار اقتصادي، بسبب الكساد المرافق لجائحة كورونا.
وتقول الصالونات السياسية في بغداد إن توقيت التوافد العربي المكثف جاء خلاف الرغبة الإيرانية التي تريد في بداية عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، إفراغ الساحة العراقية لمناوراتها مع واشنطن حول استئناف الحوار بشأن الاتفاق النووي الذي ألغاه سلفه دونالد ترامب.
وجاءت مؤشرات عديدة لتحذّر من صيف ساخن ومبكر في العراق، على صفيح الشد والجذب بين طهران المتضررة من العقوبات بأشد ما يكون، وبايدن الذي لا يزال حذرا، حيث أضاف مطالب جديدة قبل أي حوار؛ منها ضمان أن تتوقف إيران عن زعزعة أمن المنطقة من اليمن حتى العراق وسورية.
وأشارت مجلة الإيكونوميست، الجمعة، الى تطورات تعكس التوتر الإيراني في ملف العراق، حيث أكد تقرير أعد في بغداد عبر حوار مع من يبدو مسؤولا رفيعا، أن القادة الايرانيين تحدثوا مع حلفائهم في الفصائل العراقية بغضب، لأنّ الأموال توقفت عن التدفق بعد سلسلة إجراءات تبناها رئيس الحكومة في مزاد العملة الصعبة وضوابط التحويلات المالية، فضلا عن تسليم المعابر الحدودية الى قوات النخبة في جهاز مكافحة الإرهاب.
وأدت هذه القيود الى تضرّر التبادل التجاري وعمليات التهريب بين العراق وإيران، كما يشير التقرير، الذي نقل قلقا عراقيا بشأن خطوات إيرانية قد تحاول ردع مسار الكاظمي، أقلها التلاعب بإمدادات الغاز الإيراني التي تشغل نحو نصف محطات الكهرباء في العراق، مما يمكن أن يشعل احتجاجات واسعة وفوضى مطلع الصيف الحالي إن حصل.
وتريد إيران كذلك إعادة سعر صرف الدينار القديم أمام الدولار، لأن الخفض الذي لجأت اليه الحكومة بقيمة 25 بالمئة لمصلحة الدولار، صعب كذلك دخول البضائع الإيرانية، ولاسيما الغذائية، وشجع الإنتاج الزراعي العراقي في محاولة من بغداد لتخفيف العجز والخضوع لمطالبات المنتجين المحليين.
كما تخشى إيران من تحقيقات ما يعرف بلجنة اللواء أحمد أبورغيف بقصر النهاية في بغداد، حيث يمكن أن تكشف تسرب مليارات الدولارات من غسيل الأموال والفساد خلال السنوات السبع الماضية، لمصلحة الفصائل والحرب السورية وسوى ذلك، ويقال إن الحكومة العراقية تستعد لنشر اعترافات بالتدريج لمنع عدد من حلفاء إيران من الترشح لانتخابات الخريف المقبل.
أما أخطر المعلومات التي وردت في تقرير مجلة الإيكونوميست من بغداد، فهو تأكيدها نجاح ايران في نشر مئات الصواريخ على حدود العراق مع السعودية، وأماكن استراتيجية أخرى، وخروج تلك المعسكرات عن سيطرة الجيش العراقي، وهو سيناريو يفهم في بغداد على انه استدراج لضربات أميركية جديدة تستتبع تنشيط حرب الكاتيوشا واستهداف البعثات الدبلوماسية في بغداد، بعد نحو 3 أشهر من هدنة تخللتها “خروقات محسوبة”.