إدارة بايدن قد تشعل حرباً إقليمية بالعودة للاتفاق النووي مع إيران
أعربت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس جوبايدن في أكثر من مناسبة عن استعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، وإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة سلفه دونالد ترامب، شريطة عودة طهران للامتثال لشروط الاتفاق.
ويرى مراقبون أن عودة بايدن إلى الاتفاق يكتنفها الكثير من التحديات والتعقيدات، في ظل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب واهتزاز ثقة طهران في واشنطن من ناحية، ومن ناحية أخرى رغبة عدد من حلفاء الولايات المتحدة في عدم العودة، باعتبار أنه سيمكن طهران في نهاية المطاف من امتلاك سلاح نووي.
وقال مجيد رفيع زاده، الباحث والمحلل السياسي الأميركي من أصل إيراني في جامعة هارفارد، ورئيس المجلس الأميركي الدولي للشرق الأوسط، في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي، إنه يبدو أن إدارة بايدن تريد من أعماقها المضي قدما في أجندتها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي رفع العقوبات عن طهران.
وأشار رفيع زاده إلى أن إدارة بايدن متأرجحة بشأن الارتداد عن مسار سياسة «الضغط الأقصى» التي تبنتها الإدارة السابقة والتي تمثلت في العقوبات الاقتصادية على إيران. وتردد أن الولايات المتحدة سمحت لكوريا الجنوبية بالإفراج عن سبعة مليارات دولار من الأصول المجمدة لإيران، قبل أن يحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في 10 الجاري على عدم الإفراج عن الأموال حتى توافق إيران على العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي.
ويبدو أن الاجتماعات غير الرسمية بين إيران ومجموعة 5+1 (الصين وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا) في طريقها لإحياء الاتفاق النووي، رغم المعارضة الشديدة من العديد من القوى الإقليمية، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الشيوخ، جيم ريش وماركو روبيو وجيم إنهوف.
وهناك حكومات في الشرق الأوسط لديها سبب وجيه للقلق بشأن الاتفاق النووي. وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قد تعهد بأنه «واثق» من أن الاتفاق «سيلبي احتياجات الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائنا».
ويقول الباحث: «لم تكتف إدارة أوباما ببدء سياسات الاسترضاء وتوسيعها فحسب، بل قدمت تنازلات غير مسبوقة في محاولة لثني الملالي الحاكمين (في إيران) عن عدوانهم الداخلي والخارجي. لقد قابلتهم الولايات المتحدة بكرم ومرونة في كل خطوة على الطريق».
وسرعان ما شعرت عدة دول في المنطقة، ومواطنو الولايات المتحدة، بأنهم تعرضوا لخيانة.
وبات واضحا أن الاتفاق النووي قد غض الطرف بالكامل عن تمويل إيران لوكلائها الذين ينتهجون العنف، مثل حزب الله، الذي سيطر على لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الموالية لها في سورية.
وكذلك عن توسيع إيران لنفوذها في مساحات شاسعة من أميركا الجنوبية. ولم يكن لهذه النتيجة أن تحدث لو كانت إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى جزءا من المفاوضات، بحسب ما يراه رفيع زاده.
وتستبعد تشكيلة فريق التفاوض الحالي، على غرار الفريق السابق، بشكل كامل الموجودين على أعتاب إيران. ففي نهج يعيد إلى الأذهان الحقبة الاستعمارية في الماضي، تظل هذه سياسة تضعها حكومات على بعد آلاف الأميال.
واعتبر الباحث رفيع زاده أن الأسوأ من ذلك، هو أنه بعد إبرام الاتفاق النووي، شهدت القوى الإقليمية تأثيره بنفسها. ومع رفع العقوبات عن إيران في إدارة أوباما، سرعان ما تبين أنه بدلا من كبح السلوك الخبيث لإيران في الداخل والخارج، يرى المجتمع الدولي أن هذه الإجراءات قد منحت إيران شرعية عالمية جديدة. وتسبب ذلك، بالإضافة إلى رفع العقوبات، في توفير عائدات بمليارات الدولارات للمؤسسة العسكرية الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وكذلك للميليشيات الإيرانية والجماعات الإرهابية.
واستخدمت طهران هذا التدفق من الإيرادات في توسيع نفوذها في أنحاء المنطقة، بما في ذلك سورية والعراق واليمن ولبنان. وأثبتت حملة التوسع الإيرانية نجاحا هائلا.
ويقول التقرير إن الدول العربية قد شهدت بالفعل عواقب المحاولة السابقة للتوصل لاتفاق نووي. وقد صعد الحوثيون الذين تدعمهم إيران بالسلاح، جهودهم من أجل مزيد من الموت والدمار في اليمن، كما صعد حزب الله انخراطه في مساحات شاسعة من الأراضي السورية، وسيطرته عليها. وشهدت المنطقة أيضا نزوعا أكبر لإطلاق صواريخ الحوثيين على أهداف مدنية في السعودية، والقصف المستمر على جنوب إسرائيل بصواريخ حماس الممولة من جانب إيران.
ويرى الباحث رفيع زاده أنه بالعودة إلى اتفاق لم يجلب شيئا سوى الدمار المتزايد وعدم الاستقرار بالمنطقة، فإن إدارة بايدن ستتخلى عن الحلفاء القدامى، وستمكن بدلا من ذلك نظاما لايزال يشكل تهديدا وجوديا للشرق الأوسط بأكمله.
وقال إن إحدى التداعيات المحتملة لإعادة انضمام واشنطن للاتفاق النووي تتمثل في أن دول المنطقة قد لا تجد خيارا آخر سوى القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهي خطوة من شأنها أن تتحول إلى حرب إقليمية.
واختتم تقريره بالقول إنه يمكن لمحاولة إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أن تحول المنطقة وإرث بايدن بسهولة إلى حريق هائل، بالإضافة إلى إشعال سباق تسلح نووي شديد في أنحاء الشرق الأوسط.