انهيار حاد وشيك أو تصحيح مقترب وربما «صدمة محتملة»، كلها تعبيرات مختلفة لسيناريو واحد تقريبا ينطوي على «قلق» من هبوط شديد في قيمة الأسهم، باتت تتردد كثيرا في أركان الأسواق العالمية مع بدء مواجهة الوباء بالتطعيمات.
في الحقيقة المخاوف المرتبطة بالتصحيح، وتحديدا في سوق الأسهم الأميركي، ليست وليدة الوباء، وكانت التحذيرات من المبالغة في التقييمات قائمة قبل ذلك، وخلال الموجة الأولى من الجائحة فقد السوق نحو 20% من قيمته خلال فصل الربيع عام 2020، وهو تصحيح قوي بالفعل.
لكن سرعان ما تخطت الأسواق مخاوفها وتعافت في أسابيع، ومن ثم قفزت إلى مستويات قياسية جديدة في غضون أشهر قليلة بفضل جهود التحفيز من الحكومة والاحتياطي الفيدرالي، وعادت المخاوف من انهيار وشيك أقوى، في ظل سباحة الأسواق فوق جبل من السيولة قد يدفع التضخم للانفجار ويقود الفائدة للارتفاع.
مؤشر «بافيت» الذي يقيس التقييمات في سوق الأسهم الأميركي، سجل في منتصف شهر فبراير 224%، ما يعني أن القيمة السوقية لكل الأسهم تعادل أكثر من ضعفي تقديرات الناتج المحلي الإجمالي في الفصل الحالي.
النسبة حول 80% تعني فرصة جيدة للشراء، وفوق 100% تعكس المبالغة في التقييم ومن ثم القلق والحرص.
يؤكد ذلك، تقرير لمصرف «دويتشه بنك» قال إن تقييمات الأسهم الأميركية بلغت مستويات غير مسبوقة منذ عام 1929 (الانهيار المصاحب للكساد العظيم)، وحتى المستثمر «بيل أكمان» يتوقع «حاليا انهيارا ناجما عن الرفع المحتمل للفائدة، وغيره يرون أسبابا أخرى للانهيار مثل الجموح الذي قاد طفرة «جيم ستوب»، حسب موقع «أرقام».
ونحن هنا إذ نتعرض لمخاوف المتعاملين التي تبدو منطقية ومدعومة بالأسباب المنطقية، فإننا لسنا بصدد تحليل هذا القلق ومدى صحته، وإنما سنعرج سريعا على كيفية تحصين الاستثمار للخروج من الأزمة المحتملة بأقل الخسائر وربما تحقيق المكاسب.
أدوات الأمان الشخصية
يعتبر صندوق طوارئ أحد أكبر المخاطر التي تواجه المستثمر عند الانهيار هو أن سوق الأسهم يعكس توقعات المستثمرين لمستقبل الاقتصاد الكلي، وعندما ينهار السوق، غالبا يعني ذلك أن المستثمرين متوترون، وقد يترجم ذلك إلى تراجع الاستثمار وبالتالي فقدان الوظائف.
وجود صندوق طوارئ قبل انهيار السوق يمنح المرء مرونة أفضل للتغلب على هذه المخاطر، فإذا فقد وظيفته أثناء هبوط الأسهم، سيظل قادرا على الوفاء بالتزاماته دون بيع أسهمه، كما يمنحه الوقت لاكتشاف طرق لخفض التكاليف والمرونة اللازمة للعثور على وظيفة تالية لائقة دون القبول بأول عرض.
وكقاعدة عامة، يجب أن يغطي صندوق الطوارئ ما بين 3 و6 أشهر من نفقات المعيشة، وإذا كان صغيرا جدا، فلن يفيد كثيرا عندما تسوء الأمور، وإذا كان حجمه كبيرا جدا، فقد يعيق القدرة على الاستثمار لتلبية احتياجات المدى الطويل.
والتحفظ في التعامل مع الأموال لتحقيق الأهداف قريبة المدى: بعيدا عن حالات الطوارئ، لدى الجميع أهداف ليدخر من أجلها، مثل منزل أو سيارة أو تعليم، ومع اقتراب وقت تحقيق هذه الأهداف، يجب أن يحول الشخص الأموال اللازمة من الأسهم إلى استثمارات أكثر تحفظا.
والأموال التي يتوقع إنفاقها في السنوات الخمس المقبلة لا يجب أن تدخل سوق الأسهم، وبدلا من ذلك، يضع في اعتباره النقد أو صناديق أسواق.
وفي بيئة أسعار الفائدة المنخفضة اليوم، لن يحصل على الكثير من العائد على تلك الأموال على المدى القريب، ولكن سيكون لديه يقين أكبر أنها متاحة عندما يحتاج إليها.
الأدوات المرتبطة بالاستثمار
الحصول على التقدير اللائق للأسهم: حصة الأسهم ليست أكثر من حصة ملكية صغيرة في شركة، وبينما يتحرك سوق الأسعار صعودا وهبوطا على أساس يومي، على المدى الطويل، فإن ما يدفع القيمة الحقيقية للشركة هو قدرتها على توليد النقد والنمو بمرور الوقت.
ولن يحصل المستثمر على تقديرات مثالية، ولكن يجب أن يكون قادرا على استخدام معرفته لتقدير شركته، واتخاذ قرارات أكثر عقلانية بشأن بيع المزيد من الأسهم أو الاحتفاظ بها أو شرائها في أوقات الاضطراب.
والتوقف عن إعادة استثمار توزيعات الأرباح: إذا أعيد استثمار الأرباح، فيعني ذلك استخدام النقود نفسها المحصلة لشراء المزيد من الأسهم نفسها التي دفعت الأرباح. في السوق المتراجع، لا يجب فعل ذلك، وغالبا ما يتم استثمارها في صفقة أكبر إذا توافرت بالصدفة، أو انتظار هذه الصفقة ببساطة.
رؤية النقود تتراكم دون الحاجة إلى بيع أي شيء يساعد في تهدئة الأعصاب أثناء انهيار السوق، ولذا، حتى إذا لم يكن المستثمر قادرا على استثمار النقدية من توزيعات الأرباح عند أدنى سعر للسوق، فقد يوفر هذا النقد على الأقل بعض الدعم النفسي.
في حين أن العديد من الشركات تهبط أسهمها أثناء الأزمة، يكون بعضها أقرب إلى سبب هذا الانهيار من غيره، وقد لا تتعافى هذه الشركات الأكثر تضررا على الإطلاق أو ربما تتعافى لكن بعد وقت طويل، أما تلك الموجودة على أطراف السوق فقد تباع أسهمها مؤقتا.
ولا يمكن عادة معرفة الشركات التي ستكون في مركز الانهيار التالي، لذا لحماية المحفظة الإجمالية، يجب تنويع الحيازات عبر الصناعات المختلفة، مع العلم أنه لا يمكن منع الأسهم من السقوط خلال الأزمة، لكنه يحد من التعرض لإخفاقات مفاجئة كارثية خاصة بالشركات.
الأزمة ليست حتمية
المستثمر والملياردير «وارن بافيت» يتوقع منذ أكثر من عام، وقوع انهيار كبير في السوق، وهو ما لم يحدث إلى الآن، ويرى (ليس فقط بناء على مؤشره ولكن أيضا خبرته العملية) بأن معظم الأسهم في مختلف القطاعات مبالغ فيها في الوقت الحالي.
والمحلل والاستراتيجي المخضرم «ديفيد هانتر» صاحب الـ 48 عاما من الخبرة في السوق، يعتقد أيضا أن هناك تحطما آت إلى الأسهم، إذ يتوقع ارتفاع التضخم مع فتح الاقتصاد بالكامل في الربع الثاني، ما يؤدي إلى تشديد السياسات النقدية وارتفاع عائدات السندات بشكل كبير.
مع ذلك، لا شيء حتمي الحدوث في العالم الآن، ربما يكون القلق منطقيا والخطر حقيقيا، لكن هناك أيضا من يقلل من المخاوف أمثال وزيرة الخزانة الأميركية «جانيت يلين» التي ترى أن تقييمات السوق مبررة، وكذلك رئيس الفيدرالي «جيروم باول» الذي يتوقع تضخما ضمن نطاق السيطرة.
يبقى فقط التذكير بأن كل عملية انهيار أو تصحيح لا تترك الأثر نفسه، ووفقا لمؤشر الألم الذي طوره «بول كابلان» مدير الأبحاث في كندا لدى مقدم الخدمات المالية «مورنينغ ستار»، فإن الانهيار الناجم عن أزمة كورونا خلال العام الماضي، كان الأضعف بين 18 انهيارا كبيرا للسوق الأميركي.
وسجل انهيار العام الماضي 1% على مؤشر الألم، مقارنة بالكساد العظيم قبل 90 عاما والذي سجلت أزمته 100%، وذلك لعوامل منها فترة الانهيار وحجم التراجع وسرعة التعافي، لذا قد يكون منطقيا توقع الهبوط بشكل كبير، لكن لا داعي لتوقع الأسوأ.