بعد انتصارها على الفقر.. هل تنجح #الصين في تحقيق «التوازن الاجتماعي»؟
في أواخر فبراير الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ انتصار بلاده في مكافحة الفقر، بعد انتشال قرابة 1000 مليون شخص من براثن الفقر المدقع على مدار السنوات الـ 8 الماضية.
في الحقيقة لم يكن هذا منتهى الإنجاز الصيني، ولم تكن فترة الـ 8 سنوات هي مدة الجهد الفعلي الذي بذلته بكين، فقد بدأت جهود التحول الحثيثة في الدولة الآسيوية منذ أواخر السبعينيات مع سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.
وخلال الفترة من عام 1981 حتى 2010، أخرجت بكين أكثر من 600 مليون مواطن من تحت خط الفقر، وتراجع معدل الفقر في الصين من 84% عام 1980 إلى 10% فقط بحلول عام 2013، بفضل معدلات النمو المذهلة التي حققتها ومكنتها من رفع مستوى الدخل وإضافة الوظائف الجديدة.
مثال ذلك، أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد زاد بمعدل سنوي بلغ 7.1% خلال السنوات الخمس من 2013 إلى 2017، وساهم ذلك في إضافة 66 مليون فرصة عمل جديدة، ودفع البلاد نحو حالة «العمالة الكاملة»، ورفع الدخل الفردي بمعدل سنوي قدره 7.4%.
وإجمالا، يقول شي إن بلاده انتشلت 770 مليون من سكان الريف من براثن الفقر، أو ما يعادل تقريبا 99% من سكانه، وأبعدت عشرات آلاف القرى ومئات المقاطعات من قائمة المناطق الفقيرة.. ومع ذلك لا يبدو أن المهمة الإصلاحية في الصين ستنتهي عند هذا الحد.
خلل عميق
لم يستفد من النمو الاقتصادي الهائل للصين، جميع شرائح السكان على قدم المساواة أو بنفس الوتيرة، مما أدى إلى زيادة كبيرة في عدم المساواة في الدخل، وهذا أمر مثير للقلق، حيث إن المستويات المرتفعة من عدم المساواة تؤثر على وتيرة النمو واستدامته، لاسيما على المدى الطويل.
وأدى التحول السريع للبلاد من دولة نامية إلى ثاني أكبر اقتصادات العالم لظهور طبقة وسطى ضخمة ومئات المليارديرات، لكن النمو كان متفاوتا، مما ترك فجوات كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وبين المدن الساحلية المزدهرة والمناطق الداخلية المهملة، الريفية إلى حد كبير.
ويستخدم معامل «جيني» على نطاق واسع لقياس المساواة في الدخل، وبالنسبة للصين، تشير البيانات إلى أن المعامل بدأ في الارتفاع منذ أوائل الثمانينيات، مما يعكس زيادة في التفاوت في الدخل.
ويتحرك معامل «جيني» بين صفر وواحد صحيح أو بين صفر ومائة، ويشير الصفر والدرجات القريبة منه إلى المساواة في دخول أفراد المجتمع الواحد، فيما يشير الواحد الصحيح والدرجات القريبة منه إلى ارتفاع عدم المساواة.
وفي السنوات الأخيرة، رغم أن معامل جيني الصيني أظهر علامات على الاستقرار (استقر حول 0.465 في عام 2019، بانخفاض عن ذروة بلغت 0.491 في عام 2008) لايزال المكتب الوطني للإحصاء قلقا من أن الرقم في النطاق 0.4 إلى 0.5 يعكس فجوة دخل كبيرة جدا.
ومع استمرار تضرر الاقتصاد من الجائحة، ستكون الفئات ذات الدخل المنخفض أكثر عرضة للخطر، وعلى وجه الخصوص، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الصين منذ تفشي الفيروس، علاوة على ارتفاع أسعار العقارات في المدن الكبرى، مما سيضع الخريجين الجدد تحت ضغط أكبر.
أول خطوة للعلاج: الإقرار بالمرض
على طول الطريق، سعت الصين، بنتائج متباينة، إلى تكييف خدمات مثل المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية مع متطلبات الاقتصاد الذي يحركه السوق بشكل متزايد، لكن الآن عليها التوفيق بين تطلعات الطبقة الوسطى الصاعدة واحتياجات الملايين الذين مازالوا في حالة فقر.
الرئيس شي بنفسه قال في أكتوبر عام 2017: مع دخول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية حقبة جديدة، تطور التحدي الرئيسي الذي يواجه المجتمع الصيني، ما نواجهه الآن هو التناقض بين التنمية غير المتوازنة وغير الملائمة واحتياجات الناس المتزايدة باستمرار لحياة أفضل.
وبعد إعلانه الأخير في فبراير الماضي، قالت الحكومة الصينية إنها ستخصص 156 مليار يوان (نحو 24 مليار دولار) هذا العام، من أجل مكافحة الفقر، وذلك عن طريق تنشيط المناطق الريفية، في إشارة إلى عدم توقف بكين عن دعم وتحسين معيشة الفئات الدنيا في المجتمع، حسب موقع «أرقام».
خلال كلمته في المؤتمر السنوي للمجلس الوطني لنواب الشعب (أعلى هيئة تشريعية في البلاد)، شدد شي على بذل الجهود لتقوية نقاط الضعف في مجال رفاهية المواطنين، وتلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية للشعب بلا كلل، وتحسين توافر الخدمات العامة الأساسية والمساواة فيها.
وطالب شي أيضا، السلطات المحلية بتعزيز التنمية المنسقة بين المناطق الريفية والحضرية، ودفع تنشيط الريف على جميع الجبهات، وتحسين رفاهية الناس، وبناء ما وصفه بـ «ريف اشتراكي جديد جميل ومزدهر ومتناغم».
العزم على الإصلاح
إن مسار النمو الصحي والأكثر توازنا مهم أيضا للصين لمتابعة استراتيجية «الدوران المزدوج» خلال السنوات المقبلة أو حتى العقود. مع الاستراتيجية الجديدة، ستعتمد الصين بشكل كبير على السوق المحلي لتطوير وتوسيع اقتصادها.
هذه الاستراتيجية حاسمة لوضع الصين في مواجهة تراجع العولمة والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة، ومن هذا المنظور، يتحتم على بكين تنمية قاعدة أكبر من المستهلكين لإرساء أسس الاستراتيجية.
وربما يفسر هذا جهود بكين لاحتواء فقاعات الأصول في الاقتصاد، حيث كانت العائلات الثرية ستستفيد أكثر من الارتفاع السريع في أسعار الأصول، لكنها شددت القيود في سوق العقارات وكان نمو القروض المتعلقة به أبطأ من النمو الإجمالي للقروض في عام 2020، لأول مرة منذ 8 سنوات.
وأثرت المخاوف بشأن تشديد السياسة بالفعل على معنويات سوق الأسهم، والذي شهد جلسات متقلبة في فبراير، وانخفض مؤشر «CSI» القياسي بنسبة 10% تقريبا خلال الشهر، وارتفعت عائدات السندات، ما يشير إلى أن السوق يتوقع تشديد السياسة النقدية.
من ناحية أخرى، تسعى الصين إلى دعم قطاع التصنيع لمساعدة الفئات ذات الدخل المنخفض، وتحد بكين من وصول الأثرياء إلى الائتمان، وتطلب من البنوك التجارية توسيع الميزانيات العمومية وإقراض الشركات الصغيرة والخاصة.
وبالنظر إلى مجمل التغيرات التي تشهدها السياسات الصينية، يبدو أن هناك تحيزا واضحا نحو إعادة توازن الهيكل الاقتصادي الصيني، ومع كل هذه الجهود، تتطلع بكين أيضا إلى الحد من عدم المساواة في الدخل لتحقيق نمو أكثر استدامة على المدى الطويل.