الضياع في البحر… تقهقر القدرات البحرية الأميركية
في عام 1897، ضغط البرلمان البريطاني على جورج غوشين، اللورد الأول للأميرالية، بشأن التهديد البحري المحتمل الذي يشكله التحالف المتعمق للقوى الأوروبية القارية. وعندما سئل عما ستفعله المملكة المتحدة إذا واجهت عدة أساطيل بحرية أوروبية في البحر، أجاب غوشين بالقول “أن تثق في العناية الإلهية وفي أدميرال جيد”- أي أن المملكة المتحدة ليست لديها أي طريقة جيدة لمواجهة أي تحدٍّ بهذا الحجم
يمكن قول الشيء نفسه عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتهديد الذي يشكله الصعود السريع للصين. لقد تشبثت الولايات المتحدة لسنوات باعتقاد شبه راسخ أن الصين ستصبح أكثر ديمقراطية وليبرالية من الناحية السياسية مع تنامي ازدهارها. والآن، بعد أن دحض النظام الاستبدادي في بكين هذه النظرية، يبدو أن الجمهور الأميركي ليس أمامه سوى الثقة في قادة جيدين بالبحرية الأميركية للتعامل مع التهديد الذي يلوح في الأفق والمتمثل في عدوانية الصين المتنامية، حتى في ظل تزايد اعتماد الاقتصاد الأميركي أكثر فأكثر على الخصم نفسه. ويرجع ذلك إلى أن العديد من المراقبين لا يقدرون إلى حد ما إمكانية تحول المنافسة بين بكين وواشنطن على نحو متزايد إلى صراع على القوة البحرية
يمزح المحللون البحريون بالقول إن على الجيش الأميركي، إذا دخل في حرب مع الصين، أن يقصف أولاً ميناء لونغ بيتش في كاليفورنيا، لأن تعطيل التجارة البحرية الصينية إلى الولايات المتحدة سيلحق ضرراً أكبر ببكين من مهاجمة البر الرئيس الصيني. لقد باتت سلاسل التوريد العابرة للحدود الوطنية متشابكة لدرجة أن التأخيرات الناتجة عن الوباء في الصين تسببت في اختناقات ملاحية مكلفة للغاية لسفن الحاويات في ميناء لونغ بيتش، ما دفع إدارة بايدن للنظر في نشر الحرس الوطني للمساعدة في تخفيف الازدحام. لقد أدت جائحة “كوفيد-19” إلى زيادة الوعي بهذه الروابط العالمية ودفع بعض الحكومات إلى التفكير في “إعادة توطين” الإنتاج في المجالات الحيوية، لكن شبكات الاستثمار والاتصالات والإنتاج التي تربط الاقتصادات معاً تستمر في التوسع. وتعتبر التجارة والقوة البحرية أمراً بالغ الأهمية لهذه الشبكات العالمية، إذ يتم نقل نحو 90 في المئة من البضائع المتداولة في العالم عن طريق البحر. غالباً ما تدور مناقشات القوة والاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين حول الحدود الجديدة للفضاء السيبراني والفضاء الخارجي، لكن على المدى القريب، سيحسم المستقبل الجيوسياسي في الغالب في ساحة أقدم ومألوفة أكثر ألا وهي البحر
هنالك كتابان جديدان يقدمان تقييماً لتحديات وأهمية علاقات القوة البحرية المعاصرة. يهتم كتاب “أن تحكم الأمواج” لمؤلفه بروس جونز، وكتاب “العصر الأزرق” لمؤلفه غريغ إيستربروك بالأمن الدولي في المقام الأول، بناءً على فرضية المؤرخ والاستراتيجي البحري ألفريد ثاير ماهان القائلة بأن “تاريخ القوة البحرية. . . هو إلى حد كبير تاريخ عسكري”. ويجادل كلا الكتابين بشدة أن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يعتمدان على الهيمنة البحرية، وكلاهما ينذر بعودة العنف إلى المياه التجارية. ستثير هذه الكتب غضب الخبراء ولكنها ستوفر لمعظم القراء رؤى مفيدة حول الجوانب البحرية للاقتصاد العالمي وصعود الصين وتغير المناخ