بورصات الخليج تتعزز على الرغم من موجة هبوط الأسواق العالمية
عززت معظم بورصات الخليج مكاسبها في ختام تعاملات، الأربعاء الثاني من مارس (آذار)، إذ صعدت أربع أسواق خليجية تزامناً مع تلاشي مخاوف المستثمرين بشأن التصعيد العسكري الروسي بأوكرانيا، ومواصلتهم تنفيذ عمليات شراء انتقائي للأسهم الكبرى التي من المتوقع أن تعلن توزيعات سنوية سخية، في حين دفعت المخاوف الجيوسياسية العالمية وتراجع معظم البورصات في العالم الأسواق الخليجية نحو الصعود، لتعاكس بذلك تحركات المؤشرات العالمية، التي تراجعت وبخاصة في الأسواق الأوروبية مع المخاوف من تصعيد للزحف الروسي في أوكرانيا، ونشوب أزمة طاقة مع تعليق الإمدادات الروسية من الغاز لأوروبا
وبالنسبة إلى تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على البورصات الخليجية، رأى وضاح الطه، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار”، أنه سيكون هناك نوعان من المؤثرات، الداخلية المتعلقة بكل سوق خليجية على حدة، وهناك المؤثرات الخارجية ومن ضمنها أسعار النفط التي تؤثر في البورصات الخليجية بشكل متباين، وأضاف الطه أنه عادة ما يقاس هذا الارتباط بعامل ارتباط مؤشر إحصائي، يقيس مدى ارتباط هذه الحركة إيجاباً أم سلباً مع أسعار النفط أو مع عوامل أخرى مثل البورصات الأميركية والأسواق الأوروبية
وفي هذه المرحلة تحديداً ونتيجة للقفزة في أسعار النفط، حصلت استجابة جماعية للبورصات الخليجية، كما أثر حجم القفزة في أن هذه البورصات التي انجذبت إلى عامل أسعار النفط الإيجابي جداً، وكانت الزيادة في سعر النفط قوية مع تجاوز النفط 110 دولارات للبرميل، وبالتالي هذه الزيادة ستنعكس على موازنات الدول بشكل إيجابي وستخلق فوائض أعلى بكثير من معدلات التوازن المقررة في موازنات دول مجلس التعاون، وبالتالي، الفوائض على حد قول الطه، تعزز قدرات الإنفاق الخليجية، وتغطي العجز إن وجد، وتخلق فوائض قادرة على زيادة الإنفاق، كما تعتبر زيادة الإنفاق مؤثراً اقتصادياً إيجابياً على مستوى الشركات والأفراد
معامل الارتباط والبورصات الخليجية
وقال الطه إنه على الرغم من أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد أثرت بشكل سلبي في الأسواق الأوروبية، ولكن البورصات الخليجية تجاهلت هذا التأثير السلبي بسبب شدة ارتفاع أسعار النفط ومنطقية ارتباط النفط بموازنات البلدان الخليجية
أضاف الطه، “لقد قسنا معامل الارتباط منذ بداية العام في الأسواق الخليجية ووجدنا أن معامل الارتباط في أسواق السعودية وأبو ظبي وقطر والكويت يزيد على 90 في المئة، وعندما يتجاوز هذه النسبة يكون المؤشر قوياً جداً”، وهذا المؤشر لوصف الارتباط بين نفط “برنت” ومؤشرات دول الخليج قد أعطى نتائج قوية جداً تجاوزت، كما ذكرت 90 في المئة، ما قاد إلى هذا الارتفاع الجماعي في البورصات الخليجية
مستويات المخاطرة سلاح ذو حدين
وتابع الطه أن السؤال الأهم إن كان هذا الارتفاع سيكون مستداماً أم مؤقتاً؟ وهنا أقول إن هناك اليوم عامل مخاطرة استثنائياً بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية يهدده عرض النفط بالتخفيض، إذ تصدر روسيا خمسة ملايين برميل من النفط يومياً، وبالتالي التوجه لفرض حظر على مداخيل النفط الروسي قد يكون قراراً متهوراً إن صح التعبير، إذ تحتاج أوروبا ومناطق أخرى من العالم إلى الطاقة، ولقد رأينا كيف تضاعفت أسعار الغاز بشكل جنوني خلال الأيام الماضية بسبب المواجهة الحاصلة. أما بالنسبة إلى أسعار النفط وسبب ارتفاعها فيقول الطه، إن الطاقة المتوفرة الأكثر تأثيراً والقابلة للزيادة على مستوى “أوبك” و”أوبك بلس” موجودة في السعودية والقليل منها في الإمارات، حيث لا توجد دولة أخرى لديها فوائض وبالتالي مسألة زيادة الإنتاج الخليجي من النفط محتملة في المستقبل القريب ولكن ليست مستدامة
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار، في حال استفحلت المواجهة الروسية الأوكرانية، وخرجت الأمور عن السيطرة أو دخلت دول محيطة في الصراع مثل دخول دولة مثل بيلاروس على خط المواجهة، وبالتالي ارتفاع مستوى المخاطر لتبدأ في امتصاص تأثير النفط الإيجابي. وبالتالي، المخاطر الحاصلة اليوم مقبولة نوعاً ما وهي سلاح ذو حدين، ولكن إذا ارتفعت هذه المخاطرة حتى ولو زادت أسعار النفط فستكون التأثيرات عكسية”
البورصات وأداء الشركات والإنفاق
من جانبه، تحدث الكاتب الكويتي والباحث في الشؤون الاقتصادية محمد رمضان، عن الارتباط الكبير بين الإنفاق الحكومي والإيرادات النفطية، وقال إن صعود أسعار النفط بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية يؤثر في الإنفاق الحكومي الذي بدوره يؤثر في أداء الشركات المدرجة بالكامل، ويعتمد القطاع الخاص والشركات المدرجة بشكل كبير جداً على الإنفاق الحكومي الذي كلما ارتفع زادت أرباح الشركات المدرجة وبالتالي سترتفع أسعارها. وأضاف رمضان أنه بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على روسيا ارتفعت أسعار النفط، كما قد تتجه الدول المنتجة للنفط لزيادة حجم إنتاجها النفطي لتعويض الإنتاج الروسي، وبالتالي سترتفع إيرادات البلدان الخليجية المنتجة للنفط بسبب زيادة حصتها السوقية من النفط وكذلك ارتفاع سعر النفط
وسيدعم ارتفاع أسعار برميل النفط فوق مستوى 100 دولار، ميزانيات الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها الخليجية، ولذلك ستنعكس إيجاباً على الإيرادات الحكومية، وبالتالي زيادة الإنفاق الحكومي وضخ المزيد من الاستثمارات في المشاريع التنموية
تحركات الأسواق الدولية مع ارتفاع النفط
دولياً، ارتفعت العقود الآجلة للأسهم، صباح الأربعاء، مع ارتفاع أسعار النفط وسط الصراع المتصاعد بين روسيا وأوكرانيا، واكتسبت العقود الآجلة المرتبطة بمؤشر “داو جونز” الصناعي 233 نقطة، أو 0.7 في المئة، وهي المكاسب نفسها التي حققتها العقود الآجلة لمؤشر “ستاندرد أند بورز 500” و”ناسداك 100″، وتم تداول العقود الآجلة الثلاثة في وقت سابق في المنطقة السلبية
وجاءت هذه التحركات مع ارتفاع أسعار النفط، وارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي وخام “برنت” القياسي الدولي بنحو أربعة في المئة لكل منهما. وتم تداول “غرب تكساس الوسيط” أخيراً عند 107.50 دولار أميركي، وكان خام “برنت” عند 109.51 دولار أميركي، بعد تداوله عند أعلى مستوياته منذ أكثر من عقد، وبدا أن هذه الخطوة تعزز مخزونات النفط، مع ارتفاع كل من شركتي “إيكسون” و”شيفرون” بنحو اثنين في المئة في تعاملات ما قبل السوق، في حين ساعدت بعض أخبار الشركات في توجيه الجلسة في اتجاه إيجابي
وارتفعت أسهم شركة “فورد” بنسبة 4.6 في المئة في تداول ما قبل السوق بعد أن أعلنت شركة صناعة السيارات أنها ستقسم سيارتها الكهربائية وأعمال الإنتاج القديمة إلى وحدتين منفصلتين، وارتفعت “سيلز فورس” بأكثر من ثلاثة في المئة بعد أن تفوقت شركة البرمجيات العملاقة على التقديرات في أعلى وأسفل الربع الرابع، وبعد التراجع في تداولات، الثلاثاء، ارتفعت عائدات السندات الحكومية، الأربعاء، حيث حقق مؤشر السنوات العشر أخيراً ما يقرب من 1.75 في المئة، بزيادة 3.5 نقطة أساس بعد انخفاضه إلى أقل من 1.7 في المئة في اليوم السابق، ومع ذلك، ظل المستثمرون في حال توتر إذ أشارت التقارير إلى أن القوات الروسية اخترقت “خيرسون” وحاصرت “ماريوبول”، وهما مدينتان رئيستان في الجزء الجنوبي من البلاد
وكانت الأسواق تستوعب خطاب حال الاتحاد من الرئيس جو بايدن الذي لم يقدم سوى القليل من التفاصيل السياسية الجديدة بينما حث على دعم أوكرانيا وكرر العديد من الأهداف لجدول أعماله المحلي، وكتب إد ميلز، محلل السياسة بواشنطن، “يبدو أنه (بايدن) لا يزال يناضل من أجل القضايا التي تهمه، لكن الحقيقة تظل أن موقفه السياسي محفوف بالمخاطر مع نسبة تأييد تحوم حول 40 في المئة”
تفكك دراماتيكي
وقال جاي هاتفيلد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “إنفستركتشر كابيتال أدفايزرز”، عن الارتفاع الحاد في خام “غرب تكساس الوسيط”، “هذا التفكك الدراماتيكي يرجع إلى رحلة إلى بر الأمان، حيث ينظر إلى الإنتاج الأميركي على أنه أكثر موثوقية من المصادر العالمية الأخرى”، وأضاف، “ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تستمر بعد استقرار الوضع في أوكرانيا”
ويراقب المستثمرون أسعار النفط من كثب، ما قد يدفع التضخم ويخنق الاقتصاد ويخلق تحديات لمجلس الاحتياطي الفيدرالي عند تشكيل السياسة، وكانت أسهم الطاقة نقطة مضيئة في السوق، يوم الثلاثاء، في حين تلقت أسهم البنوك ضربة، متأثرة بانخفاض حاد في عوائد سندات الخزانة، ما يمثل اندفاعاً إلى سندات الملاذ الآمن وسط اضطراب سوق الأسهم