الصحة

مرضى غسيل الكلى في العراق بين الإهمال واللامبالاة

يحتاج مرضى الكلى إلى التخلص من الفضلات والسوائل الزائدة في الجسم من خلال عملية غسيل للكلى، وهي عملية اصطناعية يُجريها المرضى عندما تتعطل وظائف الكلى وتعجز عن القيام بمهامها بالشكل المناسب

وفي العراق، يعاني مرضى الفشل الكلوي نقص السائل المستخدم في غسيل الكلى، والذي يسمى السائل “البريتوني”، بسبب فشل وزارة الصحة في تأمين مواد ومتطلبات عملية الغسيل

قلة كفاءة

يقول الطبيب محمد طه، الأخصائي في أمراض وجراحة الكلى والمسالك البولية، إنه منذ عام 2003، تعرضت الوزارات للتخريب المتعمد والفساد المالي والإداري، وهي تخضع تارة لإدارة مسؤول غير كفوء، وتارة أخرى تُدار من قبل شخص غير نزيه، ويتبع لجهة تطالبه بتوفير حصة من أموال الوزارة وعقودها، ولم يتوقف هذا الخراب المتعمد على مفصل دون آخر، إذ يُعاني مرضى الكلى نقصاً في توفير مواد وأجهزة “الديلزة” (أجهزة غسيل الكلى)، وعدد كبير مما يتوفر في المستشفيات الحكومية معطل أو مفقود، وكأن هناك من يتعمد إهمالها

ويضيف الطبيب طه، “أقولها بصراحة إن عدداً من المافيات التي تتعمد التخريب والفساد لديها أسهم في المستشفيات الأهلية التي أنشئت في الآونة الأخيرة، ومن مصلحتها تدني مستوى الخدمات في المستشفيات الحكومية لحساب الأهلية من الاختصاص نفسه، والتعمد واضح منذ عام 2003، ونحن بحاجة إلى فرق دولية محايدة لإنقاذنا من مستنقعات الفساد، وهناك سنة أخرى ابتدعت منذ سنوات، بعد 2003، عبر إخلاء المرضى ذوي الحالات المستعصية ومعالجتهم خارج العراق عبر لجان خصصت مبالغ كبيرة لهذا الغرض، بينما كان من الممكن إنشاء مستشفى كبير داخل العراق، وهو باب من أبواب الفساد، وتعمل بعض الجهات جاهدة لعرقلة توفير أي أجهزة كفؤة تؤمن معالجة المريض، وتمنع لجوءه إلى دول الجوار أو الهند أو خضوعه للمؤسسات الأهلية”

ويتراوح عدد المرضى المتوافدين على مراكز غسيل الكلى بين 12000 و15000 مريض أسبوعياً

أعباء إضافية وخطر على الحياة

وعن مصاعب عملية غسيل الكلى يتحدث الأكاديمي نهاد حامد الذي رافق والدته طوال مراحل علاجها. ويقول إن عملية غسيل الكلى هي المنقذ الوحيد للمرضى الذين يعانون الفشل الكلوي. ما يعانونه من مشقة وألم نفسي قد يصل بهم إلى الاكتئاب، كون المريض أصبح سجين هذه العملية، فالنوع الأول، أي “البريتوني”، وهو النوع الأقدم الذي يستطيع أن يقوم به المريض في المنزل بمساعدة متخصص مع توفر المواد اللازمة للغسيل الكلوي، أما الطريقة الثانية والأكثر تطوراً، فهي ما يعرف بـ”الديلزة”، أو الغسيل الدموي الذي يتم في المستشفيات ووفق آلية معقدة تحتاج إلى أجهزة متطورة تقوم بعملية فلترة الدم وتخليصه من المواد الضارة نتيجة تراجع عمل الكلى، وهنا يبقى المريض بحدود ثلاث ساعات في الجلسة الواحدة، ويحتاج إلى ثلاث جلسات في الأسبوع الواحد

ومع تأخر توفير مواد الغسيل عن المريض، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، ما يعرض حياته للخطر، خصوصاً أن بعض المرضى يكونون في وضع اقتصادي سيئ، بالتالي تكون عملية شراء مستلزمات الغسيل مكلفة جداً، وتصبح حياة المريض تحت رحمة توفر هذه المواد التي تعجز وزارة الصحة عن توفيرها في أحيان كثيرة نتيجة صفقات الفساد وانعدام الضمير الذي طاول حتى المريض في العراق، وكأنها تترك المريض ليواجه مصيره بنفسه، ولا من يحاسب

الغسيل مجاناً على حساب الدولة

ويتحدث المدير التجاري لإحدى شركات المنتجات الطبية في العراق قائلاً، “يوجد مصنع لمحاليل الديلزة في العراق وفيه خط إنتاج لمادة الغسيل البريتوني، ولم يتم حتى الآن الانتهاء منه، المصنع تابع لوزارة الصحة وتشترك فيه الشركة المصنعة ويحمل شعار الوزارة”. ويضيف، “آلية العمل في العراق هي شراء خدمة، وأعني بذلك أن الشركة مسؤولة عن توفير كل الاحتياجات كالمبنى المجهز بالتقنيات والمواد اللازمة، فيدخل المريض لإجراء عملية الغسيل، سواء البريتوني أو العادي الدموي، ويغادر مجاناً، وتدفع الوزارة للشركة المجهزة مبلغاً محدداً عن كل عملية غسيل”

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تعمد بعض الجهات الفاسدة تعطيل أجهزة الكلى باهظة الثمن لغرض الاستفادة من صفقات الشراء، يتابع المدير التجاري لإحدى شركات المنتجات الطبية في العراق، “هذا موضوع غير دقيق، فالأجهزة توضع من قبل الدولة في المراكز من دون مقابل، وضمان الجهاز على عهدة الشركات، ولن تستفيد الدولة من تلف الجهاز، لأن الشركة ستوفر جهازاً جديداً بدل الجهاز التالف، ومنذ أشهر عدة تزود الشركات هذه المراكز بخدمات منها عمال التنظيف ومواد التنظيف، فضلاً عن الممرضين المتخصصين”

معلوم أن هناك شركات عدة معروفة في أنحاء العالم لـ”الديلزة” تتنافس في تقديم عروضها بالمحافظات العراقية من خلال توفير المستلزمات الطبية الضرورية، والتواصل مع الأطباء، وغير ذلك من المهام

مشروع “البريتوني” المعطل

نعم، هناك تلكؤ في الخدمة المقدمة من إحدى الشركات التي التزمت بعقد، ولم تنجز المشروع بسبب تغيير الوكيل، وعادت الشركة الأم وقامت بتجهيز الوكيل القديم

وعن توفر السائل “البريتوني” في محافظات دون غيرها، يقول المدير التجاري لإحدى شركات المنتجات الطبية إن الحكومة منحت صلاحية للمحافظات باختيار الشركة الأنسب لها والكمية المطلوبة وفترات التسديد، والتزمت الحكومة بالتعاقد مع هذه الشركات

وتوفر إحدى الشركات مواد “البريتوني” في المركز الصحي في محافظة النجف استثناءً عن باقي المحافظات، والسبب أن هذا المركز قدم للوزارة مقدار حاجته، وفعلاً تم تزويده بالمواد لمدة سنة كاملة، أما في بغداد، فلا يطلب الأطباء حاجتهم الحقيقية، لهذا يحصل قصور وكثيرون من المرضى في العاصمة يتزودون بحاجتهم من مركز النجف، وهذا ما يجب معالجته جدياً

الخلل في المراكز الطبية

أما عن خطة الوزارة بهذا الخصوص، فيضيف المدير التجاري أن الوزارة أعدت خطة كاملة لتقدير الحاجة من خلال إرسال تعاميم للمحافظات تطالبها بإعلامها بحاجتها من هذه المستلزمات، للسنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى تزويدها بعدد المرضى المطلوب علاجهم، معتبراً، في الوقت عينه، أن الخلل لا يكمن في سياسة الوزارة، بل في المراكز الطبية التي تتأخر في إعلام الوزارة بما تحتاج إليه

وتقول إحدى الطبيبات التي تعمل في مركز غسيل الكلى في النجف، إن المركز يوفر مادة “البريتوني” حالياً بشرائها من إحدى الشركات وليس عبر الوزارة مباشرة، لكن الصعوبة لمرضى باقي المحافظات تكمن في وجوب فتح ملف للمريض في النجف، إضافة إلى إجراءات معينة حتى يتم شموله بحصة من السائل، ولأن مركز النجف هو الوحيد حالياً الذي يزود مرضى بغداد والمحافظات بالسائل “البريتوني”، فهناك ضغط كبير من باقي المحافظات

الفيروس ينتقل من المعالج

وعن إمكان تلوث الأجهزة والأماكن التي يتلقى فيها المرضى العلاج، يوضح المدير التجاري لإحدى شركات المنتجات الطبية أن جهاز غسيل الكلى غير ناقل للفيروسات، لأن الدم يصفى خارج الجهاز فلا تدخل أي قطرة دم عبره، والمواد تستخدم، مرة واحدة، لكل مريض، بالتالي لا يمكن التقاط عدوى عن طريق الجهاز، والخطورة تكمن في حال التعامل مع ممرض أو أي حامل لفيروس معين، في غياب التدابير الوقائية اللازمة. ويختم المدير التجاري قائلاً، “المبلغ المخصص للقطاع الصحي في الموازنة لا يغطي حاجة الوزارة”

جريمة بحق المرضى

وتلكؤ وزارة الصحة في تنفيذ العقود واستمرارية تأمين المواد الطبية اللازمة يترك تداعياته السلبية على حياة آلاف المرضى، والفكرة الأساسية هي ضرورة عدم إجبار المريض على استخدام طريقة معينة للغسيل ما دام الخيار متاحاً، إلا أن المريض في بغداد مجبر حالياً على الغسيل الدموي لعدم توفر مادة الغسيل “البريتوني”

ويستخدم مرضى الكلى بنسبة 80 إلى 90 في المئة الغسيل الدموي الذي يستغرق أربع ساعات، أما الغسل “البريتوني” فيتم من دون الحاجة إلى جهاز، فقط استخدام أدوات عدة هي عبارة عن كيس فيه سائل معين، وآخر للتفريغ وأنابيب، ويشرح أحد المرضى أنه يخضع لهذه العملية أربع مرات يومياً، وهي وسيلة أكثر أماناً كونها تجرى يدوياً، وهي سهلة جداً ولا تحتاج إلى مستشفى وحجز سرير، بينما مريض الغسيل الدموي يضطر إلى المستشفى فضلاً إلى إمكان تعرضها إلى مضاعفات صحية عدة

ويختم الطبيب محمد طه شارحاً أنواع غسيل الكلى، وموضحاً أنه ليس باستطاعة كل مريض يخضع للغسيل “البريتوني” تحمل الغسيل الدموي، لأسباب عدة، مثل فشل عمل فتحة ما بين الشريان والوريد، أو بسبب التهاب البنكرياس الحاد، أو ارتفاع حرارة الجسم، أو انخفاضها جداً، أو بسبب تجمّع عالٍ للسوائل الزائدة في التجويف “البريتوني” للمريض أصلاً وغير ذلك من الأسباب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى