( مرحلة جديدة ) من العمل المشترك.. ومحمد بن سلمان: ماضون للسلام
أجمع المحللون والخبراء كما التقارير الصحافية العربية والأجنبية، على أهمية القمة العربية التي انعقدت في جده أمس الأول، كونها تدشن مرحلة جديدة من العمل العربي المشترك الفاعل، ما يبرز الوعي المتنامي لأهمية التضامن العربي في مواجهة التحديات الاقليمية والدولية التي تواجهها المنطقة والعالم.
وإذ ركزت القمة على القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية في السياسة العربية كما ظهر في كلمات الزعماء والقادة العرب الذين تحدثوا أمام القمة، فإن عودة سورية لشغل مقعدها بعد 12 عاما منذ بدء الحرب فيها شكلت محورا اساسيا على جدول اعمال القمة وكلمات القادة، حيث الأمل ان تكون هذه العودة خطوة على طريق حل الأزمة السورية وإنهاء لمعاناة الشعب السوري التي استمرت لأكثر من عقد، كما اعتبرت بداية لاستعادة الدور العربي في حل القضايا العربية.
وقد أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي مخاطبا «دول الجوار، والأصدقاء في الغرب والشرق، أننا ماضون للسلام والخير والتعاون والبناء، بما يحقق مصالح شعوبنا، ويصون حقوق أمتنا، وأننا لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى ميادين للصراعات، ويكفينا مع طي صفحة الماضي تذكر سنوات مؤلمة من الصراعات عاشتها المنطقة، وعانت منها شعوبها وتعثرت بسببها مسيرة التنمية».
وقال في كلمته عقب تسلمه نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، رئاسة اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الـ32، إن «وطننا العربي يملك من المقومات الحضارية والثقافية، والموارد البشرية والطبيعية، ما يؤهله لتبوؤ مكانة متقدمة وقيادية، وتحقيق نهضة شاملة لدولنا وشعوبنا في جميع المجالات».
وأكد للقادة أن «أشقاءكم في المملكة العربية السعودية، يكرسون جهودهم في دعم القضايا العربية، كما نعمل على مساعدة الأطراف اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ينهي الأزمة اليمنية، وفيما يخص السودان، نأمل أن تكون لغة الحوار هي الأساس، للحفاظ على وحدة السودان، وأمن شعبه ومقدراته. «مرحبا» بتوقيع طرفي النزاع على إعلان جدة، للالتزام بحماية المدنيين وتسهيل العمل الإنساني، ونأمل التركيز خلال المحادثات على وقف فعال لإطلاق النار، وتواصل المملكة بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي، بذل الجهود الإنسانية وتفعيل قنوات الإغاثة للشعب السوداني الشقيق».
القضية الفلسطينية
وقــال «إن القضيـــة الفلسطينية كانت وما زالت هي قضية العرب والمسلمين المحورية، وتأتي على رأس أولويات سياسة المملكة الخارجية، ولم تتوان المملكة أو تتأخر، في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق لاسترجاع أراضيه، واستعادة حقوقه المشروعة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية، بحدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وغيرها من المرجعيات الدولية المتفق عليها، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق».
وتابع: «مما يسرنا حضور الرئيس السوري بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية، في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، ونأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سورية، وعودة الأمور إلى طبيعتها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها، وبما يدعم تطلعنا جميعا نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا».
وفي دليل على الدور العالمي الذي تضطلع به المملكة والذي ترجم بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال الأمير محمد بن سلمان: «يطيب لنا أن ننتهز فرصة وجود فخامة الرئيس زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، ومشاركته في هذه القمة، لنجدد تأكيد موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة الأزمة في أوكرانيا، وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية، واستعداد المملكة للاستمرار في بذل جهود الوساطة، بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا، ودعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسيا، بما يسهم في تحقيق الأمن والسلم».
وتوالى القادة في كلماتهم امام القمة على التأكيد على تعزيز العمل العربي المشترك ومركزية القضية الفلسطينية، مرحبين بعودة سورية الى الجامعة.
وأعرب أيمن بن عبدالرحمن رئيس وزراء الجزائر في كلمته نيابة عن الرئيس عبدالمجيد تبون، رئيس القمة السابقة، عن ارتياح بلاده لبوادر الانفراج التي حدثت من خلال التقارب الحاصل في العلاقات العربية مع الجارتين تركيا وإيران.
دعم الدولة الوطنية ومؤسساتها
وأكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن الحفاظ على الدولة الوطنية ودعم مؤسساتها فرض عين وضرورة حياة لمستقبل الشعوب ومقدراتها، مشددا على أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، واعتبر أن الاعتماد على جهودنا المشتركة، وقدراتنا الذاتية، والتكامل فيما بيننا، لصياغة حلول حاسمة لقضايانا، أصبح واجبا ومسؤولية، كما أن تطبيق مفهوم العمل المشترك، يتعين أن يمتد أيضا، للتعامل مع الأزمات العالمية وتنسيق عملنا، لإصلاح منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية، وفي القلب منها، مؤسسات التمويل، وبنوك التنمية الدولية التي ينبغي أن تكون أكثر استجابة، لتحديات العالم النامي أخذا في الاعتبار، أن حالة الاستقطاب الدولي، أصبحت تهدد منظومة «العولمة»، التي كان العالم يحتفي بها وتستدعي للواجهة، صراعا لفرض الإرادات، وتكريس المعايير المزدوجة، في تطبيق القانون الدولي.
واكد «استمرار جهود مصر، لتثبيت التهدئة، إلا أننا نحذر، من أن استمرار إدارة الصراع، عسكريا وأمنيا، سيؤدى إلى عواقب وخيمة، على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، وتمسكنا بالخيار الاستراتيجي، بتحقيق السلام الشامل والعادل، من خلال مبادرة السلام العربية، وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية، ومطالبة إسرائيل بإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».
نظام إقليمي متجدد ومتوازن
بدوره، اكد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، أن اجتماع القمة العربية يأتي لتجديد العزم ومواصلة مسيرة العمل العربي المشترك بإرادة حرة وتصميم ذاتي وبروح التضامن الجماعي المخلص للتأسيس للاستقرار والرخاء والوئام الذي لابد أن تنعم به شعوبنا، وسبيلنا لتحقيق ذلك نهج السلام العادل والشامل وهو نهج لا بديل له لمعالجة كل القضايا العالقة، لضمان الأمن والاستقرار والمصالح الحيوية لازدهار دول المنطقة دون استثناء.
ورحب ملك البحرين، في كلمته خلال افتتاح فعاليات القمة، بالمساعي العربية الجادة التي نجد فيها بوادر مبشرة لبلورة نظام إقليمي متجدد ومتوازن، والمتمثلة في استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، واستمرار الهدنة الإنسانية في اليمن والجهود الجادة لحل أزمتها، والعود الحميد للشقيقة سورية إلى بيت العرب الكبير.
وأعرب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في كلمته، عن أمله في أن تنجح الجهود المشتركة في تحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا وعودة الأمن والسلم لشعوب البلدين والدول المجاورة، وليستعيد العالم عافيته الاقتصادية والبيئية التي تنهكها حالة الحرب.
وفي كلمته الأولى بعد غياب سورية عن الجامعة العربية لمدة 12 عاما، قال الرئيس بشار الأسد: نحن أمام فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وإعادة تموضعنا في هذا العالم الذي يتكون اليوم كي نكون جزءا فاعلا فيه مستثمرين في الأجواء الإيجابية الناشئة عن المصالحات التي سبقت القمة وصولا إليها اليوم.
وتمنى ان يشكل التقارب العربي – العربي والعربي ـ الإقليمي والدولي، بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن فيما بيننا للسلام في منطقتنا للتنمية والازدهار بدلا من الحرب والدمار.
هذا، وأشاد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمته أمام قمة جدة، بمشاركة الأمم المتحدة لأول مرة بإحياء الذكرى الـ 75 للنكبة، معتبرا أن ذلك يدحض الادعاءات الإسرائيلية، وطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.