( متغيرات دولية ) جديدة تقتضي مراجعة أميركا لإستراتيجية مواجهة الإرهاب
وسط متغيرات هيكلية طاغية على مسرح الأحداث العالمية، فرضت نفسها وبقوة، باتت قضية مواجهة الإرهاب تقتضي التعامل وفق استراتيجيات التكامل وليس التنافس، في إطار توجهات جديدة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نحو صياغة جديدة لمفهوم المصلحة الأميركية.
وقد أفرزت جائحة كورونا، معطيات وقضايا من طراز خاص تتعلق بالأمن الوطني في الجوانب الصحية، والأمن الاقتصادي وتغير المناخ، وتأثيراته المختلفة على الجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية، الأمر الذي يتطلب من واشنطن تكلفة ومسؤولية مالية أكبر بكثير من مواجهة الإرهاب وفق المنظور التقليدي.
وفي هذا السياق، قدم ثلاثة ممارسين ذوو خبرة طويلة في مجال مكافحة الإرهاب من الإدارات الأميركية الأخيرة، رؤية موسعة لتقييم الإستراتيجية العامة لأميركا، والنهج الخارجي، والتهديدات المحلية في فترة رئاسة بايدن، عبر ندوة بالاتصال المرئي عقدها مؤخرا «معهد واشنطن» لسياسات الشرق الأدنى.
وبحسب «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، فإن النهج الذي اعتمدته الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب على مدى العشرين عاما الماضية وكان ناجحا في منع شن هجمات، لم يعد مستساغا اليوم بسبب المنافسة التي تخوضها واشنطن مع القوى العظمى.
وقال ليفيت انه في إطار عمل «4 + 1» ويعني «روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والتطرف العنيف»، الذي تسترشد به وزارة الدفاع الأميركية لتصنيف التهديدات الدولية وفق أولويتها، بقيت مسألة مكافحة الإرهاب أولوية قصوى ولكن تم وضعها في مرتبة أدنى من الأهداف الأخرى، وهي: المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا، والتهديدات الإقليمية من إيران وكوريا الشمالية.
وفي حين يعتقد البعض أن الولايات المتحدة لا تستطيع الانخراط في صراعات «هامشية» متأصلة في مكافحة الإرهاب (على سبيل المثال، سورية واليمن) ومنافسة القوى العظمى في الوقت نفسه، إلا أن مثل هذه الجهود يجب أن تكمل بعضها البعض، لا أن تستبعد كل واحدة منها الأخرى.
وبحسب ليفيت يمكن للاستثمارات الصغيرة في المساعدة الثنائية لمكافحة الإرهاب أن تسفر عن تعاون مهم في القضايا المتعلقة بالقوى العظمى.
وأكد ليفيت أنه رغم حاجة واشنطن لاستمرار آلية تقديم المساعدات العسكرية وغيرها من المساعدات الناشطة لمكافحة الإرهاب، لكن يجب على الولايات المتحدة الانتقال بشكل متضافر إلى نهج أقل ارتكازا على القوة العسكرية وأكثر تركيزا على بناء القدرات المدنية.
وأوضح أنه من الضروري إعادة النظر أيضا في آلية توجيه الرسائل الأميركية، إذ لا ينبغي تصنيف جهود مكافحة الإرهاب من حيث الانتصار أو الهزيمة، بل من منطلق كونها جهدا مستمرا تستخدم فيه الولايات المتحدة أدوات مختلفة للتنافس مع الخصوم وتعطيل الأعمال الإرهابية.
ويرى كريستوفر كوستا المدير التنفيذي لـ«متحف التجسس الدولي»، والذي عمل كمدير أقدم لمكافحة الإرهاب في «مجلس الأمن القومي» الأميركي خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أنه لابد من تصحيح مهمة مكافحة الإرهاب، مؤكدا أنه ليس من الضروري أن يكون الانخراط في المنافسة بين القوى العظمى منفصلا عن نشر عدد صغير من قوات مكافحة الإرهاب في الخارج بصورة ذكية.
وبرهن كوستا على أن رؤيته لمواجهة الإرهاب، تتسم بالشمولية، ضاربا مثالا على ذلك، بأنه يمكن أيضا نشر القوات لأغراض مكافحة الإرهاب وتحقيق هدف آخر هو التصدي للنفوذ الإيراني الخبيث، بشرط أن يدرك الشعب الأميركي أن عمليات مكافحة الإرهاب هي جزء من منطقة رمادية أكبر تشمل كلا من المهام التكتيكية والمعارك من أجل النفوذ.
وبحسب كوستا، يجب على الولايات المتحدة أن تكثف جهودها لإنشاء مختلف الشراكات طويلة الأمد مع الحلفاء وتنميتها، لاسيما فيما يتعلق بمسألة مكافحة التطرف.
ولفت كوستا النظر إلى أن قضية الإرهاب الداخلي تشكل أولوية أيضا، حيث أشار إلى أن التهديد الجهادي لايزال مصيريا أمام إدارة بايدن، لأن أيا من الإدارات الرئاسية لم تتعامل بشكل مرض مع الأيديولوجية، وطالب كوستا بأن تعالج الاستراتيجية الأميركية الجديدة المظالم التي تغذي التطرف الجهادي المحلي، مشيرا الى أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب لعام 2018، أكدت على التهديد الذي يشكله المتعصبون البيض والنازيون الجدد، وفي ظل تطور هذه الديناميكيات، سيتعين على الإدارة الأميركية الحالية مواجهة الإرهاب المحلي بشكل مباشر.