ما ( دلائل ) الارتفاع الكبير لأسعار النحاس في ظل الأداء المحبط للذهب؟
تباين أداء اثنين من أهم المعادن، واللذين يعدان مؤشرين مهمين لمسار الاقتصاد المتوقع، لاسيما بعد مرور نحو عام على الجائحة التي عصفت بالأسواق ومعنويات المستثمرين والآفاق الاقتصادية، وحتى حركة التجارة على أرض الواقع.
في الوقت الذي يتراجع فيه سعر الذهب، وهو المعدن النفيس الذي يلجأ إليه المستثمرون كمخزن للقيمة في أوقات الاضطراب، واصل النحاس، وهو أحد المعادن الصناعية الرئيسية، صحوته نحو مستويات لم يبلغها منذ سنوات طويلة.
وسجل الذهب خسائر بنسبة 2.5% خلال الأسبوع المنتهي يوم الجمعة 19 فبراير، بضغط من الصعود القياسي للأسهم الأميركية، وإضافة إلى ارتفاع عائدات السندات، ما يعكس تفاؤل المستثمرين إزاء الأصول الخطرة بفعل التعافي الاقتصادي.
في الوقت نفسه، لامست أسعار النحاس أعلى مستوياتها منذ عام 2011، فوق حاجز 9 آلاف دولار للطن، مع رهان المستثمرين على الطلب المتزايد في ظل تعافي المصانع من قيود الوباء وتحسن الأنشطة الاقتصادية.
الذهب ذهب
الذهب أصبح السلعة الأسوأ أداء في عام 2021 بعدما انخفضت بأكثر من 6% حتى الآن، ويرى جانب من المحللين أنها فقدت بريقها الاستثماري الذي اكتسبته بفعل الوباء، بسبب الإنفاق التحفيزي ومجموعة أخرى من العقبات غير المتوقعة.
ومن أهم هذه العوامل المرونة المفاجئة في الدولار وارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية، حيث تظهر المؤشرات الاقتصادية أن التعافي من الوباء يجري على قدم وساق. حتى يوم الخميس 18 فبراير، كانت بداية الذهب لهذا العام هي الأسوأ منذ عام 1991.
وقال نائب الرئيس الأول في «زانر جروب» لخدمات الوساطة بيتر توماس: «مع توقعات ارتفاع الفائدة ووصول التضخم إلى ذروته، نشهد الكثير من عمليات جني الأرباح من الذهب ويتحول الناس من الذهب إلى المعادن الصناعية مثل النحاس، إنها عاصفة كاملة».
وارتفعت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى في حوالي عام، الأسبوع الماضي، كما قفزت توقعات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2014، ويعتقد المحللون أن الانتعاش السريع سيدفع المستثمرين بعيدا عن الملاذ الآمن، حسب موقع «أرقام».
أين يصل الذهب؟
ارتفع سعر الذهب بنسبة 37% بين 15 مارس والثاني من أغسطس 2020، في ما بدت موجة صعودية بدعم من خوف المستثمرين إزاء الضرر الاقتصادي الناجم عن الجائحة، لكن يبدو أن المعدن النفيس أمام مفترق طرق الآن.
في الثاني من أغسطس سجل الذهب أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2028 دولارا، ورغم ارتفاع الأسهم في تلك الفترة، فإن الطلب على أصول الملاذات الآمنة ظل قويا، حيث لم تكن هناك إشارات كثيرة ذات مغزى على أن العالم سيخرج قريبا من الوباء.
ومنذ أن سجل الذهب مستوى قياسيا، انخفضت قيمة السلعة بأكثر من 9% حتى الآن. وكتب «جيسون جويبفيرت» مؤسس «صنديال كابيتال ريسيرش» للأبحاث في مذكرة: «الاتجاه الصعودي طويل الأجل للذهب يتأرجح على الحافة».
بينما كان الذهب في اتجاه هبوطي مثير للقلق مؤخرا، فإن الأسهم المرتبطة به قدمت بعض التفاؤل بشأن المعدن الثمين. ما يقرب من 20% من أسهم تعدين الذهب تم تداولها فوق المتوسطات المتحركة لـ200 يوم في معظم الأيام السابقة، بانخفاض عن أكثر من 85% قبل ذلك، بحسب «جويبفيرت».
ويقول «جويبفيرت»، إن هذه الدورة حدثت مرات عدة في السنوات القليلة الماضية، وعادة ما تسبق مكاسب أسهم الذهب في فترة الثلاثة أشهر المقبلة، وحتى إذا لم تتمكن أسعار الذهب من عكس اتجاهها، فالأرجح أن الوقت لم يحن بعد للاتجاه الهبوطي.
ويعتقد أنه رغم المخاوف لن يرغب المستثمرون في التخلص من حيازاتهم من الذهب الآن، لكن في المقابل، قالت شركة «سيفين ريبورت ريسيرش» إن مستوى 1780 دولارا هو الذي يجب مراقبته، حيث إن الانخفاض أدناه يعد إشارة سلبية.
وتراجع الذهب دون هذا المستوى بالفعل في الأسبوع الماضي، لكنه فعل نفس الأمر في أواخر نوفمبر الماضي قبل أن يتعافى سريعا، لذا سيكون من الحكمة التريث في مراقبة التغيرات حول هذا المستوى.
الرابح الأكبر: النحاس
يستخدم المعدن الأساسي في العديد من مواد البناء، بما في ذلك الأسلاك الكهربائية وأنابيب المياه، وكان الدافع وراء هذا الارتفاع هو التفاؤل على المدى القصير والطويل للسلعة، نظرا لقيود العرض والطلب القوية المتوقعة.
ومع إعادة فتح الاقتصاد الأميركي بالكامل في الأفق، وخطة الرئيس «جو بايدن» للاستثمار بكثافة في البنية التحتية الأميركية، بالإضافة إلى التعافي الاقتصادي المستمر للصين، هناك سبب للاعتقاد بأن الطلب على النحاس سيظل مرتفعا.
نما الاقتصاد الصيني بنسبة 2.3% في عام 2020، ورغم أنه كان أبطأ معدل نمو سنوي لتلك الدولة منذ السبعينيات، فإنه كان أيضا مفاجأة إيجابية وموضع ترحيب بعد أن شهد العالم أسوأ صدمة اقتصادية له في الذاكرة الحديثة.
وقال محللو السلع في «بنك أوف أميركا ميريل لينش»، الشهر الماضي، إن الطلب من الصين كان المحرك الرئيسي لأسعار النحاس في العام الماضي، ومع تباطؤ استهلاك الدولة الآسيوية في الأشهر الأخيرة، اتسع نطاق الانتعاش، وهذه علامة جيدة للأسعار على المدى الطويل، حيث إن كل دولة تحتاج إلى النحاس من أجل تعافيها.
ويعتقد محللو المصرف أن الأسعار يمكن أن ترتفع أكثر، لكن يتمثل الخطر الرئيسي لقصة نجاح النحاس في «التأخير في إعادة فتح الاقتصاد بسبب السقطات في فاعلية اللقاح أو الزيادة المتجددة في العدوى».