كثر من 34 عاماً هو عمر مسيرة الفنان شريف إدريس، الذي بدأ التمثيل في طفولته بعدد من الأدوار اللافتة قبل أن يبتعد قليلاً ويعود مجددا إلى الجمهور كممثل شاب في عدد كبير من الأدوار المميزة برحلة فنية تعاون فيها مع عدد كبير من صناع الأعمال السينما والتلفزيون، وهي رحلة بدأت بمصادفة غيّرت مسار حياته. وفي الحوار التالي يروي تفاصيل هذه الرحلة.
● كيف كانت بدايتك مع التمثيل؟
– بداياتي مع التمثيل بدأت في مرحلة مبكرة للغاية، ووقتها لم أكن أكملت عامي الرابع بعد، واصطحبني والدي إلى بلاتوه تصوير مسلسل “النهر لا يحترق” للمخرج إبراهيم الشقنقيري، حيث كان يقوم بزيارة أحد أصدقائه العاملين في المسلسل، وكان يفترض أن نغادر، لكن تصادف أن فريق العمل في هذا اليوم بحاجة إلى طفل صغير، وكانوا ينتظرونه، لكنه لم يأت، وكاد يوم التصوير يتوقف قبل أن يتدخل صديق والدي ويرشحني للمخرج للقيام بالدور، وهو ما تم بالفعل، فكانت البداية في هذا اليوم، لأحضر بشكل منتظم في التصوير برفقة والدي من أجل تصوير مشاهدي بالعمل، والتي جرت على عدة أيام.
● هل كنت تعي جيداً ما هو مطلوب منك؟
– صحيح أنني لم أكن أعرف ماذا يجب أن أفعل، لكن ما اتذكره جيداً، هو سعي جميع الموجودين في البلاتوه لمحاولة إرضائي وتنفيذ ما يرغبون فيه أمام الكاميرا، وكانوا يهدونني شيكولاته، وهذا أكثر شيء أحبه، لذا كنت أنفّذ كل ما يُطلب منّي من دون تردد، وكانت هذه المرة الأولى التي اظهر فيها على شاشة التلفزيون، ومن هنا جاءت الانطلاقة التي استمرت حتى اليوم.
بعد هذا المسلسل، تم ترشيحي للمخرج حسين كمال، ووقتها كان يقوم بالتحضير لفيلم “كل هذا الحب” مع نور الشريف وليلى علوى، ولم اكن أتجاوز 5 سنوات آنذاك، ورشحني لدور أسامة في الفيلم، وبالفعل بدأنا تصوير الفيلم، ولم أكن أدرك أو أعي في تلك المرحلة مبكرة طبيعة ما أقوم به من أدوار في أعمال مهمة، وهو ما أدركه اليوم جيداً، وأعتبر نفسي محظوظا بالعمل مع مجموعة كبيرة من النجوم والعمالقة خلف وأمام الكاميرا.
● دور أسامة حقق نجاحا كبيرا ولفت الأنظار إليك.
– وبالعودة لدور أسامة في “كل هذا الحب”، فإن وقوفي أمام الكاميرا ساعدني فيه كثيراً مساعد المخرج الراحل كمال الحمصاني، إضافة إلى والدي الذي كان يفهم ما يريدوني أن أقدمه ويشرح لي ويتحدث معي، ويساعدني حتى أنجز مشاهدي بشكل سليم، بجانب الأستاذ نور الشريف الذي تعامل معي بهدوء شديد، والحقيقة أن المخرج حسين كمال أحد المخرجين الذين تحب أن تكون في البلاتوه الخاص بهم، سواء على مستوى الهدوء والنظام الموجود فيه أو الاهتمام بالتفاصيل.
لا أنكر عدم تذكري كثيرا من التفاصيل لحداثة عمري آنذاك، لكن حُسن المعاملة جعل لديّ ذكريات جميلة مرتبطة بهذا الفيلم، بما فيها المشاهد الصعبة التي كانت موجودة أثناء التصوير والتي كان أبرزها مشهد الهروب من الملجأ والسير في منطقة قيد الإنشاء، والقفز من حاجز مرتفع، وهي أمور كانت مؤمّنة بالكامل من فريق العمل، لكنها لم تكن سهلة بالنسبة لي.
● ما المواقف التي تذكرها حتى الآن عن هذه المشاركة؟
– ومن المواقف التي لا يمكن أن أنساها حرص المخرج حسين كمال على دعوتي لحضور العرض الخاص للفيلم في سينما ميامي برفقة الأبطال ليلى علوي ونور الشريف، وحرص على اصطحابي معهم والتقاط الصور التذكارية، واحتفوا بمشاركتي في الفيلم، صحيح أن الموقف يبدو بسيطاً، لكنه جعل لديّ كثيرا من التفاصيل والذكريات الجميلة مع فريق العمل بالكامل.
● من كان يدعمك في هذه المرحلة؟
– والدي هو سبب دعمي في مسيرتي الفنية حتى اليوم، ليس فقط في طفولتي، ولكن أيضاً في الوقت الحالي، فهو كان المسؤول عنّي وعن أعمالي وحتى عن الاختيارات، كطفل لم أكن أعرف أي الأعمال كان يمكن أن أقبلها وأي الاعمال كان يمكن ان أرفضها، وهو كان يقوم بهذا الدور في حياتي، ويبرم التعاقدات نيابة عنّي.
والدي أيضا تولى مسؤولية الاتفاق على أجري، فلم أكن أعرف الأجور، ووقتها كان هو يتقاضي الأجر وينفقه علي، خاصة في الملابس والأحذية، نظراً لعشقي شراءهما، فلم يكن يبخل عليّ مطلقاً، كما شجعني على الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية بعد إنهاء دراستي الثانوية.
● كيف كان معظم الفنانين يتعاملون معك؟
– أي طفل لديه موهبة في التمثيل لا يحتاج إلى كثير من التفاصيل ليكون ناجحا في أداء دوره، ولكن يحتاج إلى طريقة خاصة في التعامل، خصوصا مع وجود كثير من التفاصيل التي ربما لا يدركها، لكن ثمة تفاصيل بسيطة، فالجو العام بموقع التصوير يؤثر على جميع الموجودين، كذلك مدى قدرة المخرج على إدارة “لوكيشن” التصوير بهدوء ودون انفعال، بما يسبب التوتر لجميع الموجودين بمن فيهم الأطفال.
أيضا الفنانون المشاركون في الأعمال، هناك من يجعلك تشعر بأنك مثل ابنه، وينجح في احتوائك، فيساعدك على تقديم أفضل ما لديك، فمن بين ما أتذكره من مواقف بذاكرتي حتى اليوم أحد المشاهد بمسلسل مع الفنانة عفاف شعيب، وكان يفترض في المشهد أن أكون خارجا من البحر باتجاه الكاميرا، وكنا في شهر يناير بذروة الطقس البارد، فكانت الفنانة القديرة عفاف شعيب تقف خلف الكاميرا، وهي تحمل لي بطانية للتدفئة، وفي أعينها نظرات خوف لا أنساها حتى اليوم، خوف من أم على ابنها، فهذه التفاصيل تبقى في الذاكرة حتى مع مرور الأيام.
من التفاصيل الجميلة التي أتذكرها للفنان الراحل محمود ياسين كانت في قيامه بالمذاكرة لي أثناء وجودي في “لوكيشن” التصوير، فكنت أصطحب كتبي معي إلى اللوكيشن، وكان يقوم بمساعدتي في المذاكرة، فهو ممثل مخضرم، وعملت معه في أكثر من عمل، وترك بداخلي ذكريات إيجابية عديدة.
● من الذي رشحك للمشاركة في فيلم «اللص» للنجمة نجلاء فتحي؟
– خضت تجربة العمل مع المخرج سعد عرفة في فيلم “اللص” لنجلاء فتحي وفاروق الفيشاوي، وهو من الأفلام التي أحتفظ بذكريات جميلة فيها، فترشيحي لهذا الفيلم جاء بعد تجربتي في “كل هذا الحب”، وكنت أقوم بشخصية طفل “أعور”، وهذا الأمر كان يتطلب مني وضع ماكياج، مع الماكيير الراحل حمدي رأفت يستغرق نحو ساعة قبل التصوير، بجانب فترة مماثلة بعد انتهاء التصوير بسبب التقنيات المستخدمة في هذه الفترة، وهو ما جعل هناك حالة تعاطف معي من نجلاء والفيشاوي، حيث كانا يأتيان ويجلسان معي أحيانا.
من الكواليس التي أتذكرها في هذا العمل طريقة تعامل سعد عرفة معي، والاحتراف الذي شاهدت شريف عرفة يتعامل به كمساعد مخرج، ووقتها كان عمرو عرفة مديرا للإنتاج، وكان هذا الفيلم سبب علاقة الصداقة التي نشأت بيني وبين الفيشاوي حتى رحيله، وأتذكر ان هناك أكثر من مشهد لم يكن سهلاً بالنسبة لي، منها مشهد تم تصويره في المطر، ومشهد آخر جمعني مع نجلاء فتحي ساعدتني فيه كثيراً.
● يمثل مسلسل رأفت الهجان محطة في حياتك حدثنا عن هذه التجربة.
– لم تكن الأعمال السينمائية تُعرض سريعاً على الشاشة، كما هو الوضع الآن، لذا فإن شهرتي الحقيقة بين أصدقائي في المدرسة جاءت من خلال تجربة “رأفت الهجان” مع المخرج الراحل يحيى العلمي، ليس فقط بسبب النجاح الكبير الذي حققه المسلسل، ولكن لكوني الطفل الوحيد تقريباً في العمل، وطبيعة شخصية طارق التي قدمتها، فالمسلسل منحني فرصة كبيرة غيّرت حياتي.
صحيح أنني حرصت على التوفيق بين الدراسة والتصوير، إلا أنني بعد هذا المسلسل كانت الشهرة سلاحا ذا حدين، بين زملاء لي شعروا بأنني مغرور، رغم عدم وجود علاقة تجمعني معهم من الأساس، لكن انتابهم هذا الشعور ربما لأنني ظهرت في التلفزيون، وهناك آخرون أصبحوا قريبين منّي وأصدقاء حتى اليوم.
● ماذا يمثل لك المخرج إسماعيل عبدالحافظ؟
– اعتبر المخرج الراحل إسماعيل عبدالحافظ بمنزلة الأب الروحي لي بالوسط الفني، خاصة بعد تجربتي في العمل بمسلسل “خالتي صفية والدير”، الذي أعتبره أول مسلسل أقوم بتمثيله بالفعل، وأتذكر لقاءنا الأول عن هذا المسلسل بشكل دقيق، فهو قال لي: “انت بطل العمل”، وحمّلني مسؤولية كبيرة من اليوم الأول، ولكون المسلسل به مساحة من التراجيديا والأداء التمثيلي، فقد كان الاهتمام بالتفاصيل مهما بالنسبة لي، وكنت وقتها بدأت في إدراك طبيعة الأعمال الفنية التي أشارك فيها.
يحسب للراحل إسماعيل عبدالحافظ الجو العائلي الذي كان يتسم به “اللوكيشن” الخاص بالتصوير في أعماله، فهو يجعل فريق عمله يعمل وكأنهم أسرة واحدة، وهذا الأمر مهم وينعكس على الشاشة، فهو تعامل معي كابن، وكان يذاكر معي المشاهد، ويطلب منّي ضبط الانفعالات، خاصة في المشاهد التي تتطلب حزنا، وغيرها من التفاصيل المهمة حتى يكون الأداء مقعناً من دون “أفورة”، ورغم أن بداياتي في التعاون معه من خلال مسلسل “الوسية” فإنني كنت سعيدا بالعمل معه في أي عمل يرشحني له.
● من منظورك أي الأعمال الأهم في مشوارك؟
– على مدار طفولتي شاركت في أكثر من عمل مهم، وهناك أعمال قدّمتها، لكنها لم تحظ بشهرة كبيرة، لكن على سبيل المثال لا الحصر كانت شخصية رامي في مسلسل “عائلة شلش” من الأعمال التي حققت لي نجاحا كبيرا في العالم العربي، ووقتها كنا نعمل على تحضيرات كثيرة قبل التصوير، كذلك تجربتي في “أرابيسك” مع المخرج الكبير جمال عبدالحميد، والفنان صلاح السعدني، الذي كنت أراقب تصرفاته لأستفيد وأتعلم منه، فهو من الشخصيات التي سعدت بالعمل معها، واستفدت منه على المستوى الشخصي كثيراً، وعملت معه أيضاً في فيلم “مدرسة الحب”، وهو من إنتاج التلفزيون المصري.
غالبية الأعمال التي شاركت فيها كنت أرشح لها والتقي مع المخرجين قبل إسناد الدور لي، وهناك أعمال رشحت لها بناء على أدوار أخرى قدمتها، وهكذا ظللت أباشر العمل حتى مع التحاقي بالمعهد العالي للفنون المسرحية، الذي ظللت أدرس فيه لـ 10 سنوات، بسبب تأجيلي الامتحانات نتيجة انشغالي بأعمال فنية، خاصة عرض مسرحية “بودي جارد” مع الزعيم عادل إمام، والذي ظللت أعمل فيه على مدار 5 سنوات بشكل منتظم.
● هل تذكر بعض المواقف الطريفة خلال مشاركاتك؟
– من المفارقات التي حدثت معي أثناء الاشتراك في الأعمال خلال مرحلة المراهقة كان ترشيحي للعمل في مسلسل “رجل الأقدار” مع الفنان نور الشريف، بعد تجربتي الأولى معه في فيلم “كل هذا الحب”، وكان الفارق بين اللقاءين نحو 15 عاماً، ووقتها جاء ترشيحي للدور من خلال الأستاذ حسني صالح الذي كان يشارك في إنتاج العمل، ووقتها كنت أقوم بتصوير دوري في مسلسل “كناريا وشركاه” مع المخرج إسماعيل عبدالحافظ، واستأذن لي حسني منه لكي أقوم بتصوير دور حنا المصري في “رجل الأقدار”، وبالفعل ذهبت إلى بلاتوه التصوير، وكان مخرج العمل وفيق وجدي.
اتسم وجدي بالحسم في التعامل والصوت المرتفع في “اللوكيشن”، وهذا الأمر تفهمته بحكم وجود مجموعات كبيرة من المجاميع يتم التصوير معها، فضلاً عن ضغط الشغل والتوتر الموجود، ووقتها التقيت الأستاذ نور للمرة الأولى منذ عرض الفيلم، ولم يتعرف عليّ في البداية، لكنه ظل ينظر لي وكأنه يعرفني، ومن هنا بدأ الحديث، وعندما أخبرته بشخصيتي، كسر حاجز الخوف لديّ، وتحدثنا في تفاصيل كثيرة، وقمت بتصوير دوري، وكنت سعيدا بالعمل معه مرة أخرى، فهو مدرسة فنية حقيقة.
من المخرجين أيضاً الذين أحببت العمل معهم كان الراحل رضا النجار، الذي قدّمت معه أكثر من تجربة، أهمها بالنسبة لي مسلسل “أبناء ولكن”، وهذا المسلسل أحببته لعدة أسباب، أهمها أنني أظهر في آخر مشهد بالمسلسل.
● كيف انعكس على عملك انتقالك من مرحلة الطفولة إلى النضج؟
– بعدما أصبحت مرحلة النضوج، قررت أن أتوقف قليلاً، لكي انتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة جديدة في حياتي، وأقدم نفسي بشكل مختلف، لذا توقفت عام 2004 تقريباً، ولم أظهر إلا في مشاركات محدودة، وركزت في المسرح بشكل أكبر من خلال مسرحية “بودي جارد”، التي كانت تُعرض بشكل مستمر على مدار الأسبوع، وكنّا نحصل على إجازة يوم الثلاثاء فقط، وفي أوقات أخرى كنا نقدم 3 ليال من العرض.
ورغم أنني كنت في المسرحية بنفس الدور الذي قدّمه قبلي زميلي خالد سرحان بطابع كوميدي، فإنني قدّمت الدور بطريقتي الخاصة، وهذا الأمر جاء من الفنان عادل إمام الذي اعتبره أكاديمية فنية استفدت منها كثيراً، وسمح لي بكثير من التغييرات بما يناسب منظوري للدور، وردود الفعل على هذا الدور وقت عرضه أسعدتني كثيراً، وبدأت مرحلة جديدة في حياتي.
انتقلت بعد “بودي جارد” إلى مرحلة جديدة في حياتي الفنية، مرحلة انتهت فيها أعمال الطفولة وبداية الشباب لأقدّم نفسي من جديد، وهذا ما عملت عليه خلال السنوات الماضية، فنجومية الطفولة انتهت، والآن مشوار جديد أعمل فيه بشكل مختلف، وأسعى لإثبات نفسي بأدوار مختلفة ومتنوعة.
● هل تقبل أن ينخرط أولادك في الفن؟
-رغم أنني بدأت العمل في طفولتي كممثل، فإنني أرفض أن يعمل أبنائي في الوسط الفني منذ طفولتهم، لأن هناك صعوبات كثيرة ستواجههم لا أرغب في أن يعيشونها، إضافة إلى أن هناك أشخاصا لا يستطيعون استكمال مشوارهم الفني لأسباب عدة، بعد نجاحهم في الطفولة، فالأمر ليس سهلا.