عاد الماغوط للنشر بعد فترة انقطاع برواية «الأرجوحة»، التي كتبها قبل ثلاثين عاماً من نشرها عندما كان ملاحقاً. ورغم عدم تمكنه من فك الرموز التي استخدمها أثناء كتابتها الأولى، فإنها طبعت كما هي. ومن ناحية أخرى قدم للتلفزيون مسلسل «حكايا الليل» مرتين في فارق زمني مدته أكثر من ثلاثين عاما بين العملين، ليرسخ الماغوط جذوره الثقافية في الأدب العربي من خلال تحويل النصوص، التي يكتبها، إلى أعمال درامية ومسرحيات تعرض على الشاشة.
لن نستطيع تجاوز الحديث عن مسرحية «كاسك يا وطن» دون المرور على أشهر مشهد حواري فيها، بين الفنان دريد لحام «غوار» ووالده المتوفى. هذا المشهد الذي يتكرر دائماً في مخيلة أي إنسان عربي، منذ تلك الفترة وحتى الآن، وقد لاقى استحسانا كبيرا لدى الجمهور لواقعيته ولقربه من حال المواطن العربي. يبدأ المشهد بغوار المسكين الفقير، وهو يتحدث عن حاله وحال وطنه:
«أنا ما بقدر أرحل عن الوطن… أنا بدوخ بالطيارة يا أخي… ثم لنفرض انو أنا بعدت عن الوطن… ورحلت عنه لبعيد… بس مشكلتي انو الوطن ما ببعد عني بيضل عايش فيي من جوا… وين بدي أهرب منو… وين؟؟
لذلك بدي ضل عايش فيه غصبن عن يلي ما بدو… طالما عم اقدر احكي يلي بدي ياه، وبدي ضل اصرخ للغلط غلط بعينك… وبدي اعمل ثورة بالبطحة… وبدي اشرب كاسك يا وطني على رواق… بدي أشرب كاس عزك، ولسه بدي اكتب اسم بلادي عالشمس يلي ما بتغيب
لا مالي ولا ولادي… على حبك ما في حبيب».
أما الحوار الذي جمع غوار بوالده المتوفي، الذي يتحدث إليه من الجنة، والذي يعتبر من أكثر الحوارات جرأة في تاريخ المسرحيات العربية (كتب الحوار بلهجة الفنان الشامية أثناء تأديته):
الأب: شو صار بالأشيا يلي استشهدنا مشانا؟
غوار: اتطمن يا بي، الحمد لله، دمكن ما راح هدر أبدااا.
الأب: الله يطمنك بالخير، بس بدي منك أجوبة محددة.
غوار: تكرم جروحاتك يا بي اسأل.
• أول باشتان شو أخبار الوحدة العربية؟!
– أووو ما عدنا حكينا فيا.
• يعني صرتوا بلد واحدة؟
– لَكَن، ما بدها شي. أنا اليوم فطرت ببغداد، وتغديت بالخرطوم، وعم احكي معك من أبوظبي.
• قصدك ما ضل حدود؟
– الحدود عالخريطة بس.
• والحرية؟
– بتبوس أيدك.
• يعني ما صفي سجون؟
– للمجرمين فقط يا بي.
• وشو عملتوا بالمعتقلات؟
– المعتقلات كلا حولناها لمدارس ومستشفيات يا بيي
• برافو عليكن برافو… ما خبرتني عن العدالة!
– العدالة حدث ولا حرج، يعني شلون بدي شبهلك العدالة عنا؟ يا أبي بتلاقي هالأجانب والسواح بيجوا من آآآآخر الدني لعنا ليتفرجوا عالعدالة والنظام والقانون… الله وكيلك يا أبي صرنا فرجة.
• يعني ما بقى في ابن ست وابن جارية؟
– أبدا، الخيرات مكومة بالطرقات على مين يشيل ببلاش.
• بس إذا الشغلة ببلاش مو تدبقا، هاه! بعرفك نفسك دنية.
– لا يا بي كل واحد منا بيمد أيدو وبياخد حاجتو، هلا أنا مثلا مقتصر أكلي ع الفريز والكمسرة.
• ولك ابني، في شغلة بدي أسألك عنها ومستحي بعد كل هالسنين الطويلة.
– لا يا بي لا تستحي اسأل.
• فلسطين أكيد رجعتوها لأهلها؟
– معك حق تستحي، هادا سؤال بينسأل بعد تلاتين سنة نضال هاد؟!
• برافو عليكن…
ولك شو عم تشرب؟
– مي
• شوهالمي يلي فايحة ريحتا لعندي؟
– مية قناني يا بي.
• خلاصتو يعني ما عاد في لاجئ برات بلدو؟؟
– لا لاجئ ولا نازح ولا مهجر، ولك شو عم تخربط انتي!!
• والإسرائيليين شوعملتو فيهن؟
– صعبتلي الأسئلة كتير، هه، والله نحنا حاطينن بالمستودع عم نتفرج عليهن محتارين شو نساوي فيهن، يا بي.
• خيروهن يلي بيريد يضل عنا ملتزم أدبو أهلا وسهلا، ويلي ما بدو رجعوه من محل ما إجا.
– والله يا أبي نحنا كان فكرنا نرميهن بالبحر، هاه، بس كرمالك هلا رح نصير نعاملن بالحسنى.
• لأنو يا ابني العرب من شيمن التسامح والعفو عند المقدرة…
– وإغاثة الملهوف… آخ!
• وهلأ بعد ما اتطمنت، بدي أتطمن عليك وعلى أمك واخوتك.
– اتطمن يا بي، الحمدلله أنا وأمي واخواتي كلياتنا بخير ومنقبل أياديك الطاهرة يابي.
• بس آآآآخ فرحتي ما بتكتمل حتى شوفكن.
– لعمه، كيف بدك تشوفنا يا بيه؟! ولك طيرتلنا السكرة.
• بتجوا لعندي عالجنة.
– نجي لعندك عالجنة؟ أيواه… أي ليش حدا بيترك جنتو عالأرض وبيجي لجنتكن، ليش شو في عندكن انتو؟؟
• سواقي عسل… أنهار لبن… مروج خضرا… أرواح طاهرة.
– أي من العسل نحنا عنا مية نوع، ومن الجبنة ميتين.. عندكن لافشكيري انتووو؟؟
• لأ.
– ماعندكن، شفت؟ ههه… عندكن موز صومالي؟
• لأ.
– عندكن تلفزيون ملون؟ أي شو بدّي عِدّلك لعدلك
• خلاصتو يعني مو ناقصكن شي؟؟
– أمممم أبدا مو ناقصنا شي أبدا… الله وكيلك يا أبي مو ناقصنا إلا شوية كرامة بسسس.
القصيدة النثرية
كانت القصيدة النثرية كابنته التي دفع عمره للاعتناء بها والدفاع عنها، إلا أن حوارا تلفزيونيا كان الأكثر تميزا بين حوارته واختصارا لما يجول في عقل وروح الماغوط الأديب والشاعر عام 1979، الحوار الذي أجراه مع الإعلامي والكاتب السعودي محمد رضا نصر الله في برنامج «الكلمة تدق ساعة»، شارحاً تعلقه بمنهج النثر كقصيدة للمستقبل، والفرق بينها وبين القواعد المتبعة في كتابة الشعر القديم والكلاسيكي، ودائما ما كان يُسأل الماغوط الذي كتب قصيدة النثر إن كان عاجزا عن كتابة القصيدة التفعيلية، ليؤكد في كل مرة أنه لم يكن كذلك وسيبقى، مضيفا أن هناك قصائد من الشعر الكلاسيكي أو التقليدي تهز أعماق أعماقه، وكل ما هناك أن الظروف التي بدأ فيها بحسب اعتقاده كتب فيها شعرا وعبر عن تجربته، معتبرا إياها تجربة جيله وتجربة وطنه، وقد كانت ظروفا طارئة واستثنائية تحتاج إلى لغة استثنائية، والمقصود هو الوضع الذي يكون فيه الشاعر والحالة التي تتطلب حالة مماثلة من اللغة ومن التعبير قطعا. ليست القصة أنه لا يعرف علم العروض والتفعيلة، القصة ليست بحاجة لشاعر حتى يتعلمها، فالسمكري والسمان والسائق خلال أيام قليلة يستطيع أن يتعلم العروض والتفعيلة، لكن استعمال الأشياء والاحساس بها هو المقصود، مثلا: فان كوخ بضربة ريشة غيّر مفهوم الفن لأنه صادق، وبالتالي أهم شيء في النثر والشعر والأدب، وفي علاقة الناس ببعضها هو الصدق، وقد يحصل نتاج شعري على هذه الأهمية لأنه صادق حنون في مرحلة كلها قسوة بربرية، كان طموحا في مرحلة كلها آنية، كلها أشياء زومية بحتة محدودة جدا. قصيدة النثر قصيدة للمستقبل، أما إذا أردنا أن نكتب حتى نصبح كالمتنبي. لما؟ يكفي المتنبي. هل من المعقول لشاعر أن يكتب بنفس المتنبي وبلغة المتنبي وتجارب كتجارب المتنبي.
ويؤكد الماغوط أن الناس هم من سموا قصيدة النثر بهذا الاسم، وليس هو. فهو لا يعتمد في كتابته على شي إلا على الكرسي والطاولة التي يكتب عليها فقط، لا يرتكز على تراث ولا على مدرسة شعرية ولا يرتكز على رأي ناقد. عندما يكتب الماغوط يشعر برغبة ويعيش الحالة. وفي سؤال وجه إليه إن كان قد تجاوز الأداء الكلاسيكي المعروف في الشعر وفي كتابته… يرى الماغوط أن الأسلوب الكلاسيكي في الكتابة قاصر وعاجز أن يجاري آلاف الخيول الموجودة في رأسه وأصابعه، والتي تريد الركض، فهو أبطأ وأكثر ترهلا. طموحه للأمام الشامل والمعاصر والسريع، وهو لا ينكر نهائيا قيمة التراث العربي، فيحب فيه الشعر والنثر والجاحظ والمقامات، وقد عاد مجددا وكتب المقامات واستخلص منها عبرا ساخرة ودهاليز لن تصلها أرسيل لورين بذاتها، لكنه يشعر دائما بأن هناك مسافة بينه وبينها، مثل السجين وزائر السجين؛ قريب لكن يوجد حاجز. وردا على سؤال عن كيفية التمييز بين ما يكتبه الماغوط من نثر وبين ما يكتبه نجيب محفوظ أو أحمد بهاء الدين الكاتب والصحافي، يجيب: القضية الأساسية في التسمية، قد تجد مثلا إحداهن اسمها هيفاء سمينة جدا «كالبرميل»، لكن اسم ابنتها عادي جدا ولكنها جميلة. كل شعر موزون ومقفى ومحافظ على القواعد الكلاسيكية للشعر، هل تسميه شعرا؟ وأعتقد لا يقتصر مكان الشعر على القصيدة أو الرواية، إذ إننا نجده في أي شيء حولنا.
سهام النقد
لقيت مسرحيات الماغوط جميعها بدءا من العصفور الأحدب، وليس انتهاء بـ»كاسك يا وطن» من النقد الكثير بين معجب بما يقدمه وناقد له رأى من وجهة نظره بعض النواحي السلبية في بعض المسرحيات أو في أجزاء كاملة منها، كالشاعر والروائي السوري خليل صويلح الذي كان مدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة تشرين السورية، وفاز بجائزة دبي للصحافة والإعلام في حفل الثقافة الصحافية في دورتها العاشرة عن مقالة له بعنوان «الشاعر الغاضب والضجِر والمتمرد محمد الماغوط والغياب الرابع» رصد فيها جوانب مهمة من تجربة الشاعر السوري الراحل يقول فيها: «الماغوط عندما عاد إلى الشام، وعمل مع دريد لحّام وانتعشت أوضاعه المادية لم يعد شاعر الأرصفة مرة أخرى، وهذا الأمر لعب دورا في قتل التجربة، فانتقل إلى ما يسمى الهجاء السياسي أو مسرح التنفيس الاجتماعي مع دريد لحّام». وأضاف صويلح أن تجربة الماغوط المسرحية الأصيلة ليست في «غربة» أو «كاسك يا وطن» أو «ضيعة تشرين»، بل في «العصفور الأحدب» و«المهرج». فالماغوط صنع للماغوط وطنا لغويا أكثر مما أنه وطن حقيقي، لكن اللغة ذاتها قد خانته في تجاربه الأخيرة، فقد انهار عمليا.
«حكايا الليل»
لم يتوقف قلم الماغوط عند الكتابة الشعرية والمسرحية، فانتقل إلى الدراما، إذ يعد مسلسل «حكايا الليل» أول عمل يطأ فيه الماغوط عتبة التلفزيون (عام 1970)، وكان بداية احتكاكه مع الدراما والتلفزيون، وأخرجه حينها غسان جبري. وعبّر العمل آنذاك عن واقع الحارة الشعبية عبر قصص تطرح مشكلات الناس البسطاء، والمسلسل كان يحكي حينها عن الفقراء والهامشيين والمسحوقين، فكانت حلقاته تحكي عنهم عبر شخصيتين ظلتا في موقع المواجهة مع قصص الماغوط الساخرة، هما الحارس الليلي الذي لم تخل حارات دمشق منه في فترة السبعينيات وما قبل، والشخصية الثانية هي عامل النظافة (الزبال) الذي كان عمله أيضاً في الليل، وكانت هاتان الشخصيتان على احتكاك بقصص الحارة القديمة ومشكلاتها، وجسدها كل من الفنانين الكبيرين محمد خير حلواني وعلي الرواس.
في «حكايا الليل والنهار»، كتب الماغوط عشرين قصة قصيرة ترصد الواقع المعاصر، وأطلق عليها صفة «الحكايات» ليعيد تجربته مع الدراما التلفزيونية بعدما قدّم سابقاً حكايات مشابهة ترصد الواقع الاجتماعي بكل جوانبه.
وقدم الشاعر والكاتب المسرحي والتلفزيوني الكبير لصحيفة «البيان» تصورا عاما عن العمل، بما في ذلك الكتيب الخاص به، قبل أن يوزع رسميا في دمشق، مؤكدا انتماء مسلسله الجديد إلى المسلسل القديم الذي قدّمه للدراما قبل ما يقارب الثلاثين سنة، من خلال العنوان المتشابه «حكايا الليل»، مشيراً إلى أنه كان يحرص في كتابته العملين على توافق بين أفكاره ووجهات نظره وآرائه الثابتة والنهائية، وهو يلتقط تفاصيل الحياة ويحوّلها إلى دراما تتميز بسخريتها وهزئها الشديد وتهكمها على الأحلام الضائعة والرغبات الإنسانية المتنامية، وتمنى وقتها ان يكون العمل الجديد بحجم الذاكرة والحب الذي يختزنه العمل القديم. أما القصص الجديدة، حسب تعبير الكاتبة كوليت بهنا، فهي ليست فقط حكايا الليل، وإنما حكايا الليل والنهار، بعد ان دخل العمل في الحارة الجديدة المعاصرة، وهي تطور الحي التقليدي الذي توجد فيه أرضية الحارة القديمة بشخوصها، أي هؤلاء الناس الذين انتقلوا من السكن في الحارة إلى الأبنية، وهي أيضاً لها قصصها ومشكلاتها، وهناك شكل جديد ومتطور للعامود الفقري الذي يربط بين الناس.
التشابه واضح جداً بين العملين، ولكن الأفكار المطروحة جديدة ومختلفة كثيراً وتقترب من الحياة المعاصرة وتطرح شخصيات انتهازية ووصولية لم تكن موجودة في المسلسل القديم، الذي اتخذ أحياء دمشق القديمة كساحة درامية، وركز على المثل والمبادئ التي يتقيد بها إنسان تلك الفترة الزمنية، حينما يكون منتمياً إلى بيئة شعبية. الأسلوب واحد في العملين. ويضم المسلسل عدداً كبيراً من الشخصيات المتباينة، حيث كان هناك حرص من قبل كاتبي العمل على أن تنطق باللهجات السورية كافة.
ويلعب الأدوار الرئيسية كل من: أسعد فضة، وهاني الروماني، وعمر حجو، وجهاد سعد، وزهير رمضان، وزيناتي قدسية، ويارا صبري، وماهر صليبي، ووفاء موصللي وآخرون.
وإذا كان الوطن بحجم حبة قمح يابسة، والدمعة أكبر من نهر الفرات، فإن الماغوط الذي يسكن محيطاً لا يتجاوز بضعة أمتار، اختار أن يسافر في الزمن الذي مضى سحابة خمسة وثلاثين عاما، ويعود حاملاً «حكايا الليل» من سراديب التلفزيون وخيال المشاهدين. كما أن كلمات كـ»الأمطار تبللني، والرياح تلسعني، والأمواج تبعدني، والأكفان تطاردني، والوطن يئن ويبكي على مدار الساعة، وأنا كالأم الحائرة لا تعرف سوى أن تصلي، وتضمه إلى صدرها، وتستعجل قدوم الصباح» لم تعرف درباً إلى من يسمعها إلا عبر صورة درامية نسجتها مخيلة الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، لتجد من يحولها إلى سيناريو ويقدمها في «حكايا الليل والنهار».
ولم يكن هناك أفضل من المخرج العتيق علاء الدين كوكش، صاحب أهم الاستحقاقات الدرامية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ليحمل عبء إعادة الماغوط إلى التلفزيون، بعد خصام استمر أكثر من ربع قرن مع هذا الجهاز الذي لم يجد مكانا له في قلب مؤلف الحكايا.
وعلى الرغم من أن بطل العمل اسمه أحمد (الشخصية التي أداها الفنان عبدالهادي الصباغ)، فإن أقل العارفين بطباع الشاعر الراحل وصفاته يدرك أنه هو المقصود، آخذين بعين الاعتبار المقاربات الضيقة والمحدودة التي تشبه بها الممثل ليقلد حال الشاعر، بدءا من قبعته وانتهاء بسيجارته التي رحل الماغوط وهي بين يديه، وبطبيعة الحال كانت بعض أشعاره التي قرئت في العمل تومي إليه علانية.
وأتت هذه الحلقة بمنزلة أسرع ظهور درامي له، في حلقة من حلقات مسلسله وآخر إنتاجاته التي قدمها قبل رحيله، بحسب «البيان الإماراتية».
«جرب» و«حرباية»
قبل الانتقال إلى مرحلة الثمانينيات من حياة الماغوط لابد أن نعرج في حديثنا عن أهم الروايات الأدبية، التي أثارت قصتها جدلا كبيرا، كما الرواية ذاتها، حيث كتب الماغوط تلك الرواية عام 1961 (نشرت عام 1991 عن دار رياض الريس للنشر في لندن، وأعادت دار المدى في دمشق طباعتها عام 2007).
أما قصتها فيرويها في أحد لقاءاته التلفزيونية قائلا:
بالنسبة لرواية الأرجوحة، فإن لها قصة، وقد كتبتها في فترة كنت ملاحقا فيها وكل أجهزة الأمن تبحث عني، من الناصرية والبعثية والقومية. كانت تقريبا بمئة وخمسين صفحة، وكنت أريد أن أهربها إلى سلمية إلى أمي. وفي هذه الرواية مثلا كنت تحت كلمة حزب أضع خطا إلى الأعلى وسهما إلى الأسفل، أما كلمة الحزب فكنت أكتبها «جرب»، وكلمة المخابرات «حرباية»، وأضع أسهما كثيرة، وعلى كثرة الأسهم أصبحت الرواية تشبه بيوت المسؤولين في فصل الشتاء، لا تعرفونها، وراحت الأيام وطلب مني زياد الريس مادة للنشر في «الناقد» فقلت له: ليس لدي أي شيء جاهز الآن، لكن لدي رواية موجودة عند والدتي، فطلب مني إحضارها، وأنا كنت قد أوصيت أمي بها وبقيت خمسة وعشرين سنة تحت رأسها، وعندما وصلتني وهممت لأقرأها لم أستطع، فهناك أسهم طالعة وأخرى نازلة وشام شريف والشيشكلي وحزب السهرة الراقص، وعند هذه الجملة توقفت وسألت نفسي من أين أتت هذه؟ عندها قال لي السيد رياض: إن لدي أجهزة في لندن لفك الخط مهما كان معقدا، فقلت له: إنها مكتوبة من حوالي ثلاثين عاما، لا نفس المشاعر ولا نفس الأحاسيس، دعنا نقوم بتقطيعها كما هي، وفعلا هذا الذي حدث، متابعا الحديث عن نفسه: أنا دائما من خلال كتاباتي أحب الأشياء المريبة واللافتة للنظر، وأكره الأشياء العادية. أحب القصير أو الطويل، العاهرة أو القديسة، اللص أو الشرطي.