علوم

خفض الانبعاثات بحلول 2025 ضرورة لتجنب كارثة كبرى

أطلق عدد من العلماء يعملون لدى المرجعية العالمية الرائدة في أزمة تغير المناخ، تحذيراً مفاده أنه لم يتبق أمام الكوكب سوى أقل من ثلاث سنوات كي يخفض مستويات انبعاثات غازات الدفيئة العالمية، والحيلولة دون ارتفاع “كارثي” في درجة حرارة الأرض

وتحت شعار “الآن أو أبداً”، أطلقت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” (اختصاراً “أي بي سي سي” IPCC) التابعة لمنظمة “الأمم المتحدة” الدعوة إلى ضرورة التحرك واتخاذ إجراءات مناسبة، ونشرتها الإثنين الماضي. وكذلك دعت الهيئة نفسها إلى خفض مستويات انبعاثات غازات الدفيئة إلى النصف مع حلول 2030

في مؤتمر صحافي، وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، توظيف الاستثمارات في بناء مرافق أساسية جديدة مرتبطة بالوقود الأحفوري الذي يعتبر المسؤول عن الارتفاع المستمر في مستويات غازات الدفيئة التي تتسبب في احترار الكوكب، بـ”جنون أخلاقي واقتصادي”

وبحسب غوتيريش، “يصور النشطاء في مجال المناخ أحياناً باعتبارهم متطرفين خطيرين. وفي الحقيقة، فإن الجهات المتطرفة الخطيرة هي البلاد التي تنكب على زيادة إنتاج الوقود الأحفوري”،

ووصف غوتيريش التقرير الأحدث الذي أصدرته “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” بأنه “سلسلة من الوعود المناخية غير المنجزة”

وفي هذا الصدد، أوضح غوتيريش، “إننا نسير بخطى سريعة نحو كارثة مناخية. ثمة مدن كبرى تغرق تحت المياه، وموجات حر غير مسبوقة، وعواصف مرعبة، وشح واسع النطاق في المياه، وانقراض مليون نوع حي من النباتات والحيوانات”. وأضاف، “بعض رؤساء الحكومات وزعماء قطاع الأعمال يقولون شيئاً ما، ويفعلون شيئاً آخر. بعبارة بسيطة، إنهم يكذبون. وستكون النتائج كارثية”

واستكمالاً، لقد ذيل التقرير المناخي الذي خضعت بنوده كلها للمراجعة، بتواقيع الدول الأعضاء الـ195، في وقت متأخر من الأحد الماضي، وذلك بعد أطول عملية موافقة تشهدها “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” في تاريخها الممتد على مدار 34 عاماً

في تطور متصل، وجه نشطاء في مجال المناخ، من بينهم غريتا ثونبرغ، سهامهم نحو الدول المعنية متهمين إياها بتمييع العلم

في الواقع، “يبدو أن كثيرين يصبون تركيزهم على إعطاء أمل كاذب للجهات المسؤولة عن المشكلة، بدلاً من قول الحقيقة الصريحة التي ستمنحنا فرصة اتخاذ التدابير المطلوبة”، كتبت ثونبرغ في تغريدة نشرتها على “تويتر”، الإثنين الماضي

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجد التقرير أن الحد الطموح من ارتفاع متوسط حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) [قياساً على مستويات ما قبل العصر الصناعي] الذي نال موافقة الدول بموجب “اتفاق باريس للمناخ”، سيتطلب تخفيضات “فورية وشديدة” في انبعاثات غازات الدفيئة، وذلك في كل قطاع من قطاعات المجتمع

باختصار، ترى “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، أن العالم يقف عند مفترق طرق في ما يتعلق باغتنام الفرصة السانحة للحيلولة دون حدوث كارثة مناخية

كذلك رأى هوسونغ لي، رئيس “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، أن “القرارات التي نتخذها الآن قادرة على تحقيق مستقبل صالح للعيش”، مضيفاً أنه “بات في متناولنا ما يلزم من وسائل ومعرفة للحد من الاحتباس الحراري”

وفي ما يلي بعض النتائج الرئيسة التي خلص إليها التقرير:

لا بد من أن تبدأ مستويات انبعاثات غازات الدفيئة في الانخفاض مع حلول 2025 على أبعد تقدير، لتسجل في 2030 تراجعاً بـ43 في المئة، إذا ما أردنا الإبقاء على الارتفاع في درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. كذلك تدعو الحاجة إلى تقليص مستويات غاز الميثان بنحو الثلث مع حلول 2030

حتى إذا تحققت التخفيضات المذكورة في مستويات غازات الدفيئة، تشير “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، إلى أن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية بشكل مؤقت يبقى “شبه محتوم”، لكن درجات الحرارة ربما تعود إلى ما دون ذلك بحلول نهاية القرن

وضع حد للاحترار العالمي سيتطلب “خفضاً كبيراً” في استهلاك الوقود الأحفوري، إضافة إلى نشر الاعتماد على الأدوات والوسائل الكهربائية على نطاق واسع، ورفع كفاءة الطاقة، واستخدام أنواع الوقود البديلة من قبيل الهيدروجين

ثمة أهمية خاصة لـ”النظم الغذائية الصحية المستدامة”، عبر التركيز على الأطعمة النباتية المصدر التي يبقى تأثيرها السلبي على البيئة منخفضاً، فضلاً عن أنها مفيدة للصحة

في مقدور زراعة المحاصيل وتربية المواشي والحراجة تحقيق تخفيضات هائلة في مستويات الانبعاثات، علاوة على التخلص من الكربون وتخزينه. ولكنها على الرغم مع ذلك، عاجزة عن إصلاح أوجه القصور في القطاعات الأخرى

من الضروري توفير قدر أكبر من الأموال. إن مستويات التمويل حالياً أدنى بثلاث إلى ست مرات من المستويات المطلوب توفرها مع حلول 2030 للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين [قياساً بمستويات ما قبل العصر الصناعي]

شهد العالم زيادة في الإجراءات المتعلقة بمكافحة تغير المناخ. في العقد الماضي، انخفضت تكاليف نوعي الطاقة المستمدة من الشمس والرياح، كذلك الأمر بالنسبة إلى البطاريات، بما يصل إلى 85 في المئة

من شأن المدن أن تشكل مراكز لخفض الانبعاثات عبر إنشاء أماكن صالحة للمشي، ودمج وسائل النقل العام الكهربائية فيها، وبناء أسطح وواجهات خضراء، وزراعة الأغذية ومعالجتها وتوزيعها في المناطق الحضرية على نحو أوسع، وإيجاد عدد أكبر من المتنزهات المدنية. سيؤدي ذلك أيضاً إلى تحقيق فوائد صحية من طريق خفض درجات الحرارة وتوفير هواء أنظف، والتنقل بصورة أفضل

وبصورة عامة، ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ ما قبل المرحلة الصناعية، وقد شرعت أزمة المناخ فعلياً في إطلاق العنان لحلقة من موجات الحر، والجفاف، والعواصف العاتية، وحرائق الغابات، وارتفاع مستوى سطح البحر، في شتى أنحاء العالم

وفق “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”، ستستقر درجة الحرارة العالمية إذا تحقق هدف تصفير صافي انبعاثات غازات الدفيئة. كذلك يتضمن بقاء زيادة حرارة الكوكب ضمن 1.5 درجة مئوية، بلوغ تلك الانبعاثات إلى صافي الصفر عالمياً مع حلول أوائل الخمسينيات من القرن الحادي والعشرين. وترتفع الزيادة في حرارة الكوكب إلى درجتين مئويتين، في حال تأخر الوصول إلى تصفير صافي الانبعاثات حتى بداية سبعينيات القرن الجاري

والأهم من ذلك كله، أن تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة الحرارة ضمن درجتين مئويتين (3.6 فهرنهايت) تقريباً، علماً أنه الحد الأعلى المنصوص عليه في “اتفاق باريس للمناخ”، يقتضي ضرورة أن تأخذ مستويات انبعاثات غازات الدفيئة في الانخفاض مع حلول 2025 على أبعد تقدير، وأن تتراجع بمقدار الربع في 2030

ووفق جيم سكيا، رئيس مشارك لفريق الخبراء الذي تولى إعداد التقييم، أن اتخاذ الإجراءات اللازمة لـ”إبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية إما أن يبدأ الآن أو أنه لن يتحقق أبداً. من دون إجراء تخفيضات فورية وشديدة في مستويات الانبعاثات في مختلف القطاعات، سيكون ذلك مستحيلاً”

ضباط شرطة يزيلون يافطة علقها نشطاء بيئيون على جسر “تاور بريدج” أثناء تظاهرة احتجاج على أزمة المناخ، لندن، بتاريخ 08 إبريل 2022 (رويترز)

صحيح أن التحديات تبدو كبيرة، غير أن التقرير حمل بعض الأنباء الجيدة. بين 2010 و2019، كانت الانبعاثات في أعلى مستوياتها في تاريخ البشرية، مدفوعة بصناعة الوقود الأحفوري، لكن معدل الارتفاع تباطأ. وأياً كان السبب في ذلك، ما زالت السياسات والانبعاثات الحالية تضع الكوكب على طريق أبعد كثيراً من تحقيق الحد من الاحترار ضمن 1.5 درجة مئوية

يوجز الجزء الثالث من التقرير الملخص الصادر عن “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” مدى التقدم المحرز في الحد من التلوث عبر قطاعات الطاقة والصناعة والنقل وزراعة المحاصيل وتربية المواشي، وتسلط الضوء على المعوقات التي تحول دون الانتقال السريع إلى عالم أكثر اخضراراً

كذلك يركز على تدابير تضع حداً للآثار المؤلمة التي تطرحها أزمة المناخ، لا سيما بالنسبة إلى من يعيشون في بلاد الجنوب العالمي، الذين يواجهون فعلاً مخاطر شديدة

وبحسب رئيسة قسم السياسة والمناصرة العالميتين في منظمة “كريستيان أيد”، فيونا سميث، فإن “معظم الناس الذين يعيشون في مواجهة حال الطوارئ المناخية، لم يفعلوا سوى القليل للتسبب في هذه المشكلة. مثلاً، على الرغم من أن الأفارقة يمثلون 17 في المئة من سكان العالم، غير أنهم يسهمون بنسبة 4 في المئة فقط من الانبعاثات العالمية. وبالتالي، يتوجب على البلاد الرئيسة المسؤولة عن الانبعاثات أن تتخذ إجراءات صارمة كي نتمكن جميعاً من التمتع بمناخ آمن ومأمون”

وكان من بين النقاط العالقة خلال المفاوضات [بشأن المناخ وإجراءات الحد من الارتفاع في حرارة الأرض] إصرار ممثلي دول الاقتصادات الناشئة الرئيسة على الاعتراف بحقهم في التنمية

في ذلك الصدد، أخبر عدد من المراقبين وكالة “أسوشيتد برس” أن صوت الهند كان مسموعاً في الدفع باتجاه تضمين التقرير اعترافاً بأن الدول النامية قد أسهمت في مستويات الانبعاثات الحالية بنسبة أدنى بأشواط مقارنة مع الدول الصناعية، من ثم لا ينبغي أن يطلب منها الالتزام بتحقيق نفس التخفيضات الحادة من الانبعاثات [المطلوبة من البلدان الصناعية المتطورة]

وكذلك أشارت جهات أخرى، كالمملكة العربية السعودية، الدولة المصدرة للنفط، إلى أن الوقود الأحفوري سيبقى مطلوباً على مدى عقود مقبلة عدة، والتخلص التدريجي منه بسرعة كبيرة قد يضر بأشد البلاد فقراً في العالم

وانتقد بعض العلماء التقرير بأنه صب تركيزه على تغيير سلوك الأفراد، إضافة إلى تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه، التي ما زالت غير مثبتة إلى حد بعيد

من بين هؤلاء المنتقدين، يبرز مايلز ألين، بروفيسور في علوم النظم الجغرافية في “جامعة أكسفورد” البريطانية ومدير “مبادرة أكسفورد نت زيرو”Oxford Net Zero initiative، وقد ذكر أن “صناعة الوقود الأحفوري قد أبلت بلاء متميزاً مرة أخرى”

وبحسب البروفيسور ألين، “في وقت يتسم بارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وجني أرباح قياسية، والاندفاع إلى إعطاء تراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في حقول جديدة، تدور جميع العناوين الرئيسة بشأن التقرير الأحدث لـ”الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” حول كيف يتعين علينا “نحن” تغيير سلوكنا والدفع مقابل تنظيف الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون”

وأضاف البروفيسور ألين، “ماذا عنها؟ ماذا عن الصناعة نفسها [صناعة الوقود الأحفوري] التي حري بها التوقف عن بيع المنتجات التي تتسبب في الاحترار العالمي، وذلك عبر التخلص الآمن والدائم من ثاني أكسيد الكربون الناتج عن أنشطتها ومنتجاتها بحلول عام 2050؟ من شأن ذلك أن يؤدي طبعاً إلى زيادة تكاليفها، لكن بشكل تدريجي ومتوقع على مدى الثلاثين عاماً المقبلة، [و] بنسبة أدنى قليلاً من الزيادة التي شهدتها أرباحها خلال الأشهر التسعة الماضية. بطبيعة الحال، تعجز “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” عن قول ذلك، بيد أن هذا لا يقلل من صحة هذه الحقيقة”

في ملمح متصل، يوفر التقرير الصادر عن “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” أساساً لمحادثات دولية عدة على شاكلة الدورة “27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ” أو اختصاراً “كوب 27” Cop27، وهي قمة المناخ المقرر عقدها في “شرم الشيخ” بمصر، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي

استكمالاً، يوجز التقرير جميع المعارف العلمية المتاحة بشأن أزمة المناخ. وقد تولى إعداده 278 باحثاً من 65 بلداً، تطوعوا بوقتهم لهذه المسألة

في أغسطس (آب) الماضي، تناول الفصل الأول الذي أصدرته “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” العلوم الفيزيائية المتصلة بتغير المناخ. ووجد التقييم أن أزمة المناخ مردها البشر بشكل قاطع “لا لبس فيه”، وأنها واسعة النطاق ومتصاعدة

نشر الفصل الثاني من التقرير الشهر الماضي، وقد وجد أن نصف الكوكب معرض بشدة لأزمة المناخ، نظراً إلى أن العواقب المترتبة عن تغير المناخ باتت تتبدى على نحو أسرع مما كان متوقعاً في أوقات سابقة

وفي وقت لاحق من العام الحالي، ينجز الجزء المتبقي من “التقرير التقييمي السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى