انهيار الاقتصاد السوري يتسارع… والاحتجاج مستحيل
رفعت الحكومة السورية سعر البنزين بأكثر من 50 في المئة، وسط تفاقم أزمة شحّ المحروقات وانهيار اقتصادي متسارع يضرب البلاد، التي اعتادت خلال الأسابيع الماضية مشهد الطوابير أمام محطات الوقود.
وهذه ليست المرة الأولى التي ترفع فيها الحكومة السورية سعر البنزين، في وقت تسجل الليرة السورية انهياراً متسارعاً. وقد تخطى سعر الصرف في الفترة الأخيرة عتبة 4200 في مقابل الدولار بالسوق السوداء، بينما سعر الصرف الرسمي المعتمد من المصرف المركزي يعادل 1256 ليرة.
وتشهد سورية، التي دخل النزاع فيها الأسبوع الحالي عامه الحادي عشر، أزمة اقتصادية خانقة، فاقمتها أخيراً تدابير التصدي لوباء كوفيد-19، كذلك زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم، الوضعَ سوءاً.
وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مساء الاثنين، بصفحتها على “فيسبوك” أنها عدّلت سعر لتر البنزين الممتاز أوكتان 90 “للكميات المخصصة على البطاقة الإلكترونية، مدعوم وغير مدعوم،” إلى 750 ليرة سورية للتر الواحد، بعدما كان 475، أي بزيادة قدرها نحو 58 في المئة.
كذلك زادت سعر البنزين غير المدعوم إلى ألفي ليرة للتر الواحد، بعدما كان 1300 ليرة، أي بزيادة نحو 54 في المئة تقريباً.
وقررت الوزارة أيضاً تحديد سعر أسطوانة الغاز المنزلي بـ3850 ليرة سورية، مقارنة مع 2700 ليرة في السابق.
ومنذ بدء النزاع عام 2011، مُني قطاع النفط والغاز في سورية بخسائر كبرى تقدّر بـ91.5 مليار دولار، جراء المعارك وتراجع الإنتاج مع فقدان الحكومة السيطرة على حقول كبرى، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الغربية، وآخرها العقوبات التي أعلنتها بريطانيا الاثنين وطالت 6 مسؤولين سوريين.
ويفاقم رفع الأسعار معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم، ويشكون من الغلاء وارتفاع الأسعار المتواصل.
ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير. ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي.
ويقول رجل الأعمال السوري البارز، خليل طعمة، الذي يتخذ من دمشق قاعدة لأعماله “ما عندك مصادر القطع الأجنبي. لا النفط والقمح موجود. وكله بندفع عنه عملة صعبة. موارد الحكومة محدودة”.
ويقول سكان إن فترة الوقوف بطوابير الخبز في مختلف أنحاء المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة تصل إلى خمس ساعات، مع تراجع واردات القمح.
وقال شهود إن مشاجرات تنشب بين الواقفين في هذه الطوابير، رغم أن المعارضة السافرة للسلطات لا تزال نادرة نسبيا، وسط مخاوف من قمعها بالقوة.
ولا تزال الذكريات حية في الأذهان لما قوبلت به الاحتجاجات السلمية في عام 2011 من قوة مميتة، الأمر الذي غذّى انتفاضة على حكم الأسد تحولت إلى حرب متعددة الأطراف.
ويبدو أن انتفاضة أخرى على حكمه أمر مستبعد قبل الانتخابات التي تشهدها سورية العام الحالي، ويبدو أنه من المؤكد فوزه فيها.
وفي دمشق يقول بعض السكان إن المؤشرات على الضغوط الاقتصادية تبدو في كل مكان، بما في ذلك المتسولون والمشردون الذين يجوبون شوارع الأحياء الراقية.
من ناحية أخرى، يبدو أن الحياة التي اعتادتها النخبة السورية لم تُمس نسبيا في المجمعات السكنية المغلقة في حي يعفور القريب من طريق دمشق – بيروت السريع.
وفي هذا الحي تعجّ مطاعم راقية بالزبائن. وتعاني الطبقة المتوسطة المتعلمة في سورية أيضا.
وفقد البعض آلاف الدولارات التي كانوا يدخرونها في بنوك لبنان التي كانت في وقت من الأوقات ملاذا آمنا، وسط الحرب والعقوبات.
ولا يمكن لزيادات الرواتب لقدامى رجال القوات المسلحة والمؤسسة العسكرية أن تجاري الأسعار المتصاعدة.
وهدأت احتجاجات نادرة على الأوضاع المعيشية في المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة في العام الماضي، غير أن مشاعر الإحباط لا تزال موجودة لتضاؤل إمدادات الخبر والوقود.
وقال سوريون مطلعون على اتجاهات التفكير لدى المسؤولين إن إحكام السيطرة على المعارضة يمثّل أولوية قبل انتخابات الرئاسة.
ويقول بعض الناشطين إن الخوف من الاعتقال أخرس وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت في وقت من الأوقات عامرة بالتعليقات، وذلك بعد القبض على عشرات الطلبة والموظفين العموميين وقاض وصحافيين بارزين لارتفاع أصواتهم بانتقاد سوء الأوضاع المعيشية، وما يتردد عن الفساد.
سياسياً، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أمس، أن “الكرملين” يعتبر بشار الأسد رئيسا شرعيا لسورية، وأن موسكو تسعى “لتحفيز العمل على وضع الدستور (السوري) ودفع التسوية السورية في مسارها السياسي بشكل عام”.
جاء ذلك غداة جلسة في مجلس الأمن مساء أمس الأول حول سورية في الذكرى العاشرة لاندلاع الانتفاضة التي تحولت الى حرب أهلية.
وقالت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، في بيان مشترك، إنه “من الضروري” أن ينخرط النظام السوري وداعموه بـ “جدية” في العملية السياسية، “وأن يسمحوا للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى الفئات المحتاجة”.
وجاء في بيان مشترك أن “الانتخابات الرئاسية السورية المرتقبة هذا العام لن تكون لا حرة ولا نزيهة، ولن تؤدي إلى أي تطبيع دولي للنظام السوري”.
وشدد البيان على أن “أي عملية سياسية تحتاج إلى مشاركة جميع السوريين، بما في ذلك في الشتات والنازحون حتى يمكن سماع جميع الأصوات”.
وأكد الوزراء أن دولهم “ملتزمة بتنشيط السعي إلى حل سلمي يحمي حقوق جميع السوريين وازدهارهم في المستقبل، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.