قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني ان الاقتصاد الكويتي بدأ خلال عام 2021 بالتعافي تدريجيا من الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربعين الثاني والثالث من العام الماضي بشكل هو الأكثر حدة على الإطلاق (منذ بيانات عام 2011). كما سجلت المالية العامة واحدة من أكبر حالات العجز في ظل التراجع الشديد لأسعار النفط، واستمر التضخم في الارتفاع على خلفية تزايد أسعار المواد الغذائية والقيود المفروضة على جانب العرض.
وكشفت البيانات الاقتصادية في الربع الأول من عام 2021 أن التحسن كان مدفوعا بالإنفاق الاستهلاكي وبدعم من القروض الشخصية. كما كان أداء سوق الأسهم جيدا إلى حد ما خلال نفس الفترة وذلك بفضل تزايد التفاؤل تجاه طرح اللقاحات وتوقعات تحسن أنشطة الأعمال في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تزايدت الآمال في تسارع وتيرة اسناد المشاريع التنموية في الربع الأول من عام 2021، واكتساب سوق المشاريع الكويتية أخيرا مزيدا من الزخم هذا العام بعد التأثر سلبا بتداعيات الجائحة في عام 2020. وتتزامن تلك الاحداث مع ارتفاع ملحوظ لأسعار النفط، وهو الأمر الذي بدوره، يعكس إدارة الأوپيك وحلفائها لجانب العرض وتحسن نمو الطلب العالمي على النفط.
إلا انه على الرغم من ذلك، فإن حالة عدم اليقين ما زالت مرتفعة، وذلك في ظل إعادة فرض حظر التجول الجزئي نظرا لتزايد حالات الإصابة بالفيروس داخل الكويت وخارجها مما سيؤدي إلى إبطاء وتيرة العودة إلى الحياة الاعتيادية.
وفي الكويت، تراجعت وتيرة إقراض الشركات على الرغم من إقرار قانون «ضمان التمويل» للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. ولا يعرف حتى الآن مدى التأثيرات التي ستنعكس على النشاط الاقتصادي نتيجة لتأجيل سداد أقساط القروض للبنوك الكويتية لمدة ستة أشهر، وان كان من شأن تلك الخطوة أن تضيف إلى أعباء المالية العامة، والتي ستتأثر أيضا بالاعتماد الإضافي لمبلغ 0.6 مليار دينار لتغطية مكافآت العاملين في الصفوف الأمامية.
كما ان استمرار اختلاف الآراء بين مجلس الأمة والحكومة قد يؤثر على سرعة إقرار الإصلاحات التشريعية التي طال انتظارها، لا سيما على الصعيد المالي، بما في ذلك قانون الدين العام الجديد الذي لايزال موضع اختلاف بين الحكومة والسلطة التشريعية.
انكماش الناتج المحلي بشكل حاد
وكشفت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث من عام 2020 الصادرة الشهر الماضي عن انكماش الاقتصاد الكويتي للمرة الرابعة على التوالي على أساس سنوي. إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 11.5% على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2020، متأثرا بصفة خاصة بضعف أداء القطاع النفطي (-14.8%) نتيجة لقرارات الأوپيك وحلفائها بشأن خفض حصص الإنتاج، بينما تأثر النشاط الاقتصادي غير النفطي سلبا بالقيود المرتبطة بالجائحة، وذلك نظرا للسماح للشركات بإعادة فتح انشطتها تدريجيا على مراحل محددة وفقا لكل قطاع. إلا ان الإنفاق الاستهلاكي ارتفع في الربع الثالث من عام 2020 (+ 26% على أساس سنوي) بمجرد رفع قيود حظر التجول الكامل – ليبقى معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي مرتفعا منذ ذلك الحين.
استقرار معدل التضخم
بلغ معدل التضخم 3.0% على أساس سنوي في فبراير على خلفية النمو الملحوظ والمستمر في أسعار المواد الغذائية العالمية (10.4%) نتيجة لاضطرابات جانب العروض الناجمة عن الجائحة وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي ذات الوقت، استقر معدل تضخم قطاع خدمات الإسكان عند نفس المستويات منذ يونيو 2019 على الرغم من إشارة التقارير إلى اختلاف معدلات الإيجارات قبل وبعد تفشي الجائحة، خاصة بالنظر إلى نزوح آلاف الوافدين والتقارير غير المؤكدة عن خفض القيمة الإيجارية لبعض المستأجرين خلال الجائحة. كما انخفض معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد الغذائية والسكن، هامشيا إلى 2.7% على أساس سنوي. أما بالنسبة للنظرة المستقبلية، فنتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 2.5% هذا العام، وأن يرتفع قليلا في حالة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في العام المقبل.
عجز مالي كبير
قد يؤدي انخفاض إنتاج النفط وتراجع أسعاره على الأرجح إلى زيادة عجز الميزانية في السنة المالية المنتهية في مارس، وإن كان أقل من تقديرات الموازنة العامة، إذ أدى انخفاض العائدات النفطية إلى زيادة العجز في ظل انخفاض سعر خام النفط الكويتي بنسبة 35% على أساس سنوي خلال تلك الفترة ووصوله إلى 41.5 دولارا للبرميل، في حين انخفض إنتاج النفط بنسبة 12.6% نتيجة لتخفيضات حصص الإنتاج الخاصة بأوپيك وحلفائها.
من جهة أخرى، تقلصت الإيرادات غير النفطية، وإن كان مساهمتها ضئيلة نسبيا، بنسبة 16.1% بسبب تداعيات جائحة كوفيد-19. وفي ذات الوقت، انخفض الإنفاق الحكومي بنسبة 7.4% بسبب الخفض الهائل للنفقات الرأسمالية (-29%) نتيجة لتأخير وتأجيل المشاريع. وسجلت الحكومة عجزا قدره 6.0 مليارات دينار كويتي خلال أول 11 شهرا من السنة المالية 2020/2021 (أبريل- فبراير). إلا انه استنادا إلى أنماط الإنفاق الموسمية، قد يصل العجز إلى حوالي 9 مليارات دينار (28% من الناتج المحلي الإجمالي) عن فترة السنة المالية بأكملها.
تسارع وتيرة إسناد المشاريع
بلغت قيمة المشاريع التي تم إسنادها في الربع الأول من العام الحالي حوالي 257 مليون دينار مقارنة بمستويات العام السابق لكنها تأتي أقل من التوقعات البالغة (1.4 مليار دينار). وكانت الأغلبية العظمي من المشاريع التي تمت ترسيتها ضمن قطاع البناء والتشييد (92 مليون دينار) وقطاع النقل (84 مليون دينار). وقد تكون القيود المفروضة حاليا على التنقل للحد من انتشار فيروس كورونا وحالة عدم اليقين التي تحيط بآفاق النمو الاقتصادي من العوامل التي أعاقت طرح المناقصات وتنفيذ المشاريع.
تراجع شديد في أعداد الوافدين
شهد التعداد السكاني للكويت في عام 2020 أكبر انخفاض سنوي تم تسجيله منذ نحو 30 عاما الذي بلغت نسبته -2.2%، إذ انخفضت أعداد الوافدين بنسبة 4.0%، في حين استمرت أعداد المواطنين في الارتفاع بنسبة 2.0%، إذ غادر البلاد العام الماضي أكثر من 130 ألف وافد (العمالة الوافدة من ذوي الأجور المنخفضة والمهارات المحدودة بصفة رئيسية) بعد أن أدى التباطؤ الاقتصادي والتدابير الاحترازية المفروضة لإجبار الشركات على تقليص حجم القوى العاملة لديها. كما كانت بعض التغييرات المقترحة على قانون الإقامة واستمرار تطبيق سياسات توطين الوظائف (التكويت) من العوامل المساهمة في ذلك أيضا.
وتسببت الجائحة في تخفيف وتيرة نمو توظيف المواطنين الكويتيين من 2.4% في عام 2019 إلى 2.1% في عام 2020، وهو معدل لا يزال مقبولا. إلا ان التوظيف تزايد في القطاع العام (2.7%) لكنه تراجع في القطاع الخاص (-1.2%) ما يزيد الضغوط على الميزانية العامة نظرا لأن جزءا كبيرا من الإنفاق يتم توجيهه إلى فاتورة الأجور. وباستثناء العمالة المنزلية، انخفض معدل توظيف الوافدين بنسبة 7.0%.
تمويل العجز في المستقبل يبقى التحدي الأكبر
تشير الدلائل إلى أن موارد صندوق الاحتياطي العام قد تستنفد بالكامل خلال الأشهر القليلة المقبلة. وبناء على ذلك، تعتزم الحكومة الدفع باتجاه تمرير قانون الدين العام ليتم اعتماده من قبل مجلس الأمة، هذا إلى جانب الإصلاحات الجوهرية التي طال انتظارها لتصحيح أوضاع المالية العامة.
وفي هذا السياق، أصدرت الحكومة مؤخرا خطة عملها للفترة الممتدة ما بين 2021-2025. وتشمل تلك الخطة معالجة ضغوط الميزانية من خلال ترشيد النفقات وتنويع مصادر الإيرادات والتطرق لخيارات التمويل. وتضمنت الإجراءات المقترحة استحداث ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، إلا ان تلك التدابير قد تستغرق وقتا طويلا لظهور اثارها، وقد تكون غير كافية في حد ذاتها لتصحيح مشاكل التمويل. لذا فإن إصدار قانون الدين العام الجديد لا يعتبر فقط من أهم الأولويات، بل أيضا ضرورة حتمية للحكومة للوفاء بالتزاماتها، إذ يفضل الاقتراض في هذه المرحلة على السحب من صندوق الأجيال القادمة، وسوف تكون تلك وجهة نظر كل من الحكومة والبرلمان على الأغلب، إلا أن احراز تقدم ملموس على جبهة الإصلاحات المالية يعتمد بشكل أساسي على تحسين التعاون بين الحكومة والبرلمان.