ارقام: شهدت أسعار النفط دعما قويا في الأسابيع القليلة الماضية، رغم اتفاق مجموعة «أوپيك +» على زيادة إنتاجها بداية من شهر يناير الماضي، أو بمعنى أدق، تقليص حجم الخفض الطوعي للإمدادات الذي اتفقت عليه في عام 2020.
اتفق المنتجون في التحالف الذي تقوده السعودية إلى جانب روسيا، خلال اجتماع ديسمبر، على تقليص الحصة المخفضة طوعا إلى 7.2 ملايين برميل/ يوميا من 7.7 ملايين برميل، أي أنهم سيضخون نصف مليون برميل إضافي عما كانوا يفعلون في الأشهر الماضية.
ومع ذلك بلغت الأسعار في الأيام الأخيرة، أعلى مستوياتها في أكثر من 13 شهرا، أي منذ ظهور فيروس كورونا المستجد تقريبا، وقبل تحوله إلى جائحة تعصف بالجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية على الصعيد العالمي.
وصحيح أنه في اجتماع يناير تم الاتفاق بين الدول المشاركة على زيادة متواضعة بمقدار 75 ألف برميل يوميا في فبراير، ومثلها في مارس، لكن السعودية أهدت الأسواق مفاجأة بإعلانها عن خفض طوعي قدره مليون برميل يوميا خلال نفس الشهرين، ما يعوض هذه الزيادات وأكثر.
ومع ذلك، فإن الأسواق متفائلة بشكل أكبر وتطمع في بلوغ مستويات سعرية لم تعرفها منذ سنوات، ورغم تباين تقييمات آثار الجائحة على الاقتصاد العالمي، ومدى فاعلية اللقاحات في إنهاء حالة الوباء.
المحللون متفائلون
ـ خام «برنت» الذي تجاوز مستوى 65 دولارا، مؤخرا، يعتقد أنه سيصل إلى 75 دولارا للبرميل بحلول الربع الثالث من هذا العام، وفقا لتوقعات فريق السلع الأساسية في مصرف «جولدمان ساكس»، وهو توقع متفائل يتجاوز التقديرات السابقة له بنحو 10 دولارات.
ـ قال الفريق في مذكرته: نتوقع الآن أن ترتفع أسعار النفط قريبا، مدفوعة بانخفاض المخزونات المتوقع وارتفاع التكاليف الهامشية (على الأقل على المدى القصير) لاستئناف نشاط المنبع (الاستكشاف والتنقيب).
ـ جاء أيضا في تعليق البنك الاستثماري، أن الارتفاع الإضافي سيكون مدعوما بالتحولات في بيئة الانكماش الحالية مع توجه المستثمرين إلى النفط، وشراء الأصول الحقيقية التي تستفيد من الانتعاش المدفوع بالتحفيز، وتظهر قدرة لا مثيل لها على التحوط ضد صدمات التضخم.
دفعت الآمال في التعافي الاقتصادي من الوباء، المستثمرين للخروج من الملاذ الآمن للسندات إلى السلع والأصول الأخرى.
وبالنسبة إلى الأساسيات الداعمة للأسعار، يتوقع الفريق طلبا أفضل في ظل انخفاض العرض، ما يؤدي مرة أخرى إلى خلق عجز أكبر من المتوقع في يناير وفبراير.
ـ مصرف «بنك أوف أميركا» يرى أن موجة الصقيع في أميركا قد تقلص المخزونات العالمية من النفط بنحو 50 مليون برميل، ورفع توقعاته لمتوسط سعر «برنت» بمقدار 10 دولارات إلى 60 دولارا هذا العام، قائلا إنه الخام قد يلامس 70 دولارا عند مرحلة ما.
العودة إلى العلامة 100
ـ توقعات «جولدمان ساكس» ليست الأكثر تفاؤلا، إذ تتوقع شركة «سوكار تريدينغ» الأذربيجانية وصول خام «برنت» القياسي العالمي إلى مستوى سعري من 3 أرقام (100 دولار فأكثر) في غضون 18 إلى 24 شهرا القادمة.
ـ كذلك يرى «بنك أوف أميركا» ارتفاعات محتملة تتجاوز 100 دولار أميركي على مدى السنوات القليلة المقبلة فيما يتعلق بتحسين الأساسيات والتحفيز العالمي. يشارك المضاربون أيضا في هذا الاتجاه، ما يزيد الاحتمالات في سوق الخيارات لوصول النفط إلى المستوى المزعوم بحلول ديسمبر 2022.
ـ التوقعات صعودية بقوة، لكنها تسلط الضوء على زيادة الثقة في سوق النفط بعد أن ارتفع خام «برنت» بأكثر من 200% منذ أن سجل أدنى مستوى له في 18 عاما في ذروة الموجة الأولى من الوباء.
ـ قفزت رهانات الخيارات على أسعار النفط لترتفع فوق 100 دولار لعقد «برنت» في ديسمبر 2022 خلال الأيام الأخيرة. تحتل علامة 100 دولار مكانة خاصة في أذهان العديد من المتداولين.
كان النفط يحوم حول هذا المستوى لسنوات خلال الجزء الأول من العقد الماضي، عندما أدى الطلب القوي من الأسواق الناشئة إلى جذب شركات التنقيب إلى مواقع أكثر تكلفة من أي وقت مضى، في أعماق المحيطات والرمال النفطية في كندا.
ـ انتهت تلك الحقبة في عام 2014، عندما أثبتت شركات النفط الصخري الأميركية قدرتها على ضخ كميات هائلة بتكاليف أقل بكثير، ولكن رغم أن السعر كان بعيدا عن متناول السوق منذ ذلك الحين، إلا أنه لم يخرج من أذهان المتداولين.
ـ توقع هذا المستوى ليس بجديد، وتنبأ بعض المشاركين في السوق بالفعل، قبل نحو عامين، وصول سعر الخام إلى مستوى 100 دولار في عام 2020، وبغض النظر عن افتقار هذه التوقعات للأساسيات اللازمة، فقد كان للظروف الوبائية كلمتها الخاصة والحاسمة.
التخلف عن الركب
ـ في حين تشكل هذه التوقعات (المعتدلة منها والجامحة) خبرا سعيدا لمنتجي النفط التقليدي خاصة في الشرق الأوسط وروسيا، لا يبدو أن هناك من يرحب ويسعد بها مثل شركات النفط الصخري في أميركا، والتي تعهدت بإبطاء عمليات التنقيب ومعالجة الميزانيات العمومية المتضررة من الوباء.
ـ منحت الأسعار المرتفعة الأخيرة، المنقبين الأميركيين، فرصة غير متوقعة للاستثمار في بقع النفط التي كانت تعتبر غير قابلة للاستخدام (اقتصاديا) قبل بضعة أشهر فقط، وبدأ البعض بالفعل مثل «ديفون إنرجي» في تخفيف القيود المالية مع تحسن السوق.
في الوقت الحالي، ورغم تحسن الأسعار، لا تستطيع العديد من شركات التكسير الهيدروليكي الاستفادة من الارتفاع حيث يعملون على استئناف ضخ ما يقرب من ثلث إنتاج النفط في البلاد.
ـ قدر المتداولون أن العاصفة الشتوية التي تركت الملايين دون كهرباء هذا الأسبوع، تسببت في تعطل ما يصل إلى 2.5 مليون برميل يوميا في الحوض البرمي وحقل إيغل فورد في تكساس، بالإضافة إلى مليون برميل في ولايات أخرى غنية بالنفط.
ـ منعت الطرق الجليدية طواقم الخدمة من الوصول إلى الآبار، ويرى المحللون أن الاضطرابات قد تؤثر على الإنتاج حتى شهر مارس، وقال «ريتشارد مونكريف» الرئيس التنفيذي لـ «ديفون» إن الأمر سيستغرق أسابيع لتقييم تداعيات العاصفة على الإنتاج.