في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المالية العامة للكويت جراء زيادة العجز المالي منذ أن بدأت أسعار النفط العالمية بالتراجع منذ عام 2014، وتفاقم هذا العجز بسبب الأوضاع الاستثنائية الراهنة التي بمر بها العالم بسبب تداعيات وباء فيروس كورونا والتي أفضت إلى زيادة في التزامات الدولة في ظل مزيد من التراجع في ايرادات النفط، شرعت وزاره الماليه بتنفيذ خطة تضمنت إعادة تقدير الايرادات والمصروفات في الميزانية العامة، حيث اخذت في الاعتبار التقلبات الحادة والضغوط التي تعرض لها سعر برميل النفط الخام الكويتي وكمية انتاجه المحددة من قبل منظمة «أوپيك» عند مستوى 2.5 مليون برميل يوميا، ووجهت الجهات الحكومية باتخاذ الاجراءات الهادفة الى تخفيض بنود المصروفات غير الملحة وغير الضرورية مثل بنود الضيافة والمهمات الرسمية والمؤتمرات والتدريب المحلي والخارجي وشراء الاجهزة والمعدات والاثاث.
وقد اكدت وزارة المالية في كل التعديلات التي جرى ادخالها على المصروفات العامة، بحسب رصد قمنا ، بعدم المساس برواتب وحقوق الموظفين العاملين في كل الجهات الحكومية بأي شكل من الاشكال وعدم المساس بالمخصصات المالية المتعلقة باحتياجات المواطنين وخدماتهم العامة وعدم المساس بهياكل الدعوم المقدمة لهم، وخصوصا ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وفي الوقت ذاته تنفيذ المشاريع الانشائية والخدمية الضرورية.
في المقابل، درست وزارة المالية مقترحات خاصة بايجاد موارد تمويل اضافية للميزانية العامة شملت ما يلي:
1 ـ وقف الاقتطاع من الايرادات العامة لصالح احتياطي الاجيال القادمة الا في حال توافر فوائض (تعديل القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن احتياطي الأجيال القادمة).
2 ـ شراء صندوق احتياطي الاجيال القادمة لجانب من أصول الاحتياطي العام.
3 ـ استرداد أرباح المؤسسات الحكومية ذات الميزانيات المستقلة.
4 ـ اصدار قانون الاقتراض الحكومي مقابل الصكوك والسندات.
وتاريخيا، بدأت مشاكل الميزانية العامة في التفاقم منذ سنة 2014 حيث قام مجلس الوزراء بتوجيه وزارة المالية بالعمل على جملة من الاجراءات الهادفة الى مواجهة تداعيات تراجع اسعار النفط ومعالجة التحديات المالية التي تترتب على استمرار اعتماد البلاد على مصدر شبه وحيد وغير مستقر للدخل، واعدت الوزارة بالتعاون والتشاور مع الجهات ذات الصلة لذلك خطة اصلاحات مالية واقتصادية تضمنت عدة مسارات تهدف الى ترشيد الانفاق العام هي كالتالي:
1 ـ التخلص من بنود المصروفات غير المنتجة وغير المبررة.
2 ـ معالجة جوانب الهدر في مختلف بنود الانفاق الحكومي.
3 ـ وقف انشاء هيئات عامة جديدة.
4 ـ دراسة دمج بعض الجهات الحكومية والعامة ذات الاغراض المتشابهة او التي تتسم مهامها بقدر كبير من التداخل والتشابك والازدواجية.
وفي مسار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، طرحت الحكومة عدة مبادرات تهدف الى زيادة مساهمة القطاع الخاص في مشروعات البنية الاساسية، وتهيئة البيئة القادرة على توطين واستقطاب رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية، وفي مسار زيادة الايرادات غير النفطية تم رفع كفاءة نظام تحصيل المبالغ المستحقة للدولة، كما تمت اعادة هيكلة الانتفاع بأراضي الدولة وعقاراتها.
أما الخطة المستقبلية المتعلقة بإعادة هيكلة الاقتصاد الكويتي للتحول من اقتصاد نفطي إلى «إنتاجي» فهي تتمثل في محاور خطط التنمية متوسطة الاجل التي تخدم مسار كويت جديدة ضمن رؤية 2035 والتي تهدف للتحول إلى مركز مالي وتجاري رائد في المنطقة والعالم.
وفي مقابل تلك التحديات لا تزال وزارة المالية حريصة على معالجة مشكلة الميزانية العامة من خلال التعاون الوثيق مع اعضاء مجلس الأمة، كما تؤكد حرصها على الدراسة الموضوعية والمتأنية للرواتب والدعوم المقدمة من خلال مبادرات البديل الاستراتيجي ودراسة هياكل الدعوم بهدف توفير مزيد من الحماية لمكتسبات المواطنين المستحقين، وخصوصا اصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة.
ارتفاع النفط وتوافر اللقاحات يدعمان الميزانية
شكل الاتفاق الاخير الذي ابرمته منظمة الدول المصدرة للنفط «أوپيك» وحلفاؤها المنتجين من الخارج «أوپيك+» مطلع شهر مارس الجاري في تمديد التخفيضات حتى نهاية شهر ابريل المقبل واستمرار المملكة العربية السعودية في مبادرة الخفض الطوعي للانتاج بنحو مليون برميل يوميا، شكل حافزا كبيرا في المحافظة على توازن السوق النفطي وعلى اسعار النفط لتجعل سعر البرميل يقفز لأعلى مستوياته على الاطلاق منذ انتشار جائحة كورونا ليتجاوز خلال اليومين الماضيين مستوى 70 دولارا لبرميل خام الاشارة برنت، كما ادت حالة التفاؤل بتوافر اللقاحات المضادة لفيروس كورونا الى دعم هذا التحسن، وتلك العوامل مجتمعة لا شك أنها ستنعكس إيجابا على الايرادات العامة للدولة خلال العام الحالي، وهو الامر الذي سيخفض من قيمة العجز المالي بنسبة كبيرة للغاية.