يوماً بعد يوم تقترب مصر من التهديد بعمل عسكري ضد سد النهضة الإثيوبي في حال مضت أديس أبابا بمشاريعها لتشغيل السد دون التوصل إلى اتفاق حول حصص المياه مع القاهرة.
كرست مصر خطاب “الخيارات المفتوحة” في معالجة أزمة سد النهضة الإثيوبي، وبات الحديث عن الخيار العسكري الذي كان مستبعدا في تصريحات كبار المسؤولين المصريين حاضرا، وإن كان على استحياء، ما تجلى بوضوح في حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس، وهو الثاني من نوعه في غضون أسابيع، الذي يتضمن تلويحا بالقوة.
وغداة حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري عن “سيناريوهات متعددة للرد”، بعد فشل مفاوضات كينشاسا الثلاثية، قال السيسي على هامش افتتاح مجمع الوثائق المؤمنة بالعاصمة الإدارية، موجها حديثه إلى “الأشقاء في إثيوبيا”، إنه يجب عدم الوصول إلى مرحلة المساس بنقطة مياه من مصر، “لأن الخيارات كلها مفتوحة”، مشيرا إلى أن هناك رأيا عاما إثيوبيا يشعر بعدم الارتياح من اندفاع نهر النيل صوب مصر، وأكد أن هذا “مسار خلقه الله، واللي عمله ربنا مش هيغيره البشر”.
ورغم التهديد الضمني، الذي قرأه جميع المراقبين في كلمة الرئيس المصري، حذر السيسي من تكلفة المواجهة العسكرية “أنتم لم تروا ما الذي تسببت فيه مواجهة كالتي حدثت في 1962 أو 1967؟ وما هي التكلفة العالية؟ ألم تروا ما الذي حصل مع العراق؟ وبالتالي التعاون والاتفاق أفضل كتير من أي شي آخر”، كاشفاً عن التنسيق مع الجانب السوداني في التحركات التالية في إطار القانون الدولي.
وجدد موقف مصر من أن “نقطة المياه لن نتخلى عنها”، مستعرضا جهود إعادة استخدام المياه المعالجة في الري، من أجل التصدي للتحديات المائية، إذ دخلت البلاد مرحلة العجز المائي بسبب الزيادة السكانية (نحو 105 ملايين نسمة)، مع محدودية مواردها المائية التي تعتمد على مياه النيل لتوفير 98 في المئة من احتياجاتها المائية.
واعترف السيسي بأن قلق المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي من أزمة سد النهضة “مستحق ومشروع… وأنا معاكم قلقان”، وأرجع بداية قلقه من أزمة المياه إلى ثورة 25 يناير 2011، والتي أدخلت البلاد في فوضى سياسية وحالة من عدم الاستقرار، تزامنت مع بدء إثيوبيا في بناء السد، لافتا إلى أن مصر احترمت رغبة الشعب الإثيوبي في التنمية، بشرط ألا يمس مصالح مصر المائية.
زيارة شكري
وكان شكري توجه أمس الأول بشكل مفاجئ الى العاصمة السودانية الخرطوم، قادما من العاصمة الكونغولية كينشاسا، في خطوة عكست رسالة واحدة، وهي التنسيق بين مصر والسودان في الخطوات التالية.
وعلمت “الجريدة” أن هدف شكري من الزيارة هو الوصول إلى تنسيق مشترك فيما يخص التحرك على المستوى الدولي، لشرح الموقف المصري السوداني، وكشف التعنت الإثيوبي، بما في ذلك إرسال بعثات مشتركة لشرح الموقف المصري السوداني أمام الشركاء الإقليميين والدوليين، وصولا إلى التقدم بتحرك رسمي أمام مجلس الأمن حال انسداد الأفق واستحالة الوصول لتوافق.
خيارات الخرطوم
الحديث المصري عن الخيارات المفتوحة، تكرر في الخرطوم على لسان وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، الذي قال خلال مؤتمر صحافي، أمس، إن كل الخيارات مفتوحة أمام السودان وفقا للقانون الدولي لمواجهة أزمة السد، لافتا إلى أن عدم التوصل إلى اتفاق عادل يهدد الأمن والسلم الإقليميين، وأن مصر تقدمت بمقترح بضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم خلال ثمانية أسابيع.
وتحدث عباس عن الأضرار المتوقعة على السودان عقب الملء الثاني، كاشفا أن بلاده ستخزن مليار متر مكعب في خزان الروصيرص، تحسبا للملء الثاني المنفرد من قبل إثيوبيا، لافتا إلى أن ذلك الإجراء الهدف منه تقليل الآثار السلبية لتعبئة سد النهضة الأحادية، وعبر عن مخاوف الخرطوم من أن تؤثر التعبئة الثانية على قدرة محطات مياه الشرب في السودان.
موقف إثيوبيا
في المقابل، بدا واضحا أن أديس أبابا متمسكة بتفاصيل موقفها الذي تعارضه مصر والسودان، إذ خرج وزير المياه والري الإثيوبي سيلشي بيكيلي، في مؤتمر صحافي أمس، ليعلن أن الملء الثاني لبحيرة سد النهضة (نحو 13.5 مليار متر مكعب)، سيتم في موعده، أي بداية من يوليو المقبل، مغلقا الباب أمام إمكانية تأجيل الملء الثاني لما بعد التوصل الى اتفاق مع دولتي المصب.
بيكيلي تحدث بوضوح عن رفض بلاده المقاربات المصرية السودانية لحل الأزمة، إذ جدد رفض أديس أبابا للدعوة إلى رباعية دولية، باعتبار أن هذا “ينتقص من سيادة إفريقيا”، وأن بلاده متمسكة بأن تكون قيادة التفاوض إفريقية صرفة، في إشارة لرفض المقترح السوداني المدعوم مصريا بتشكيل رباعية دولية تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بجوار الاتحاد الإفريقي للوساطة في الأزمة.
وحاول المسؤول الإثيوبي استقطاب الجانب السوداني، إذ خص الخرطوم بوصلة من الحديث المعسول، قائلا إن الملء الثاني لن يلحق أي ضرر بالسودان، بل إن الأخير سيكون المستفيد الأكبر من مشروع السد، ضاربا المثل بعدم تأثر السودان خلال الملء الأول لبحيرة السد الإثيوبي العام الماضي، لافتا إلى أن تأجيل الملء الثاني سيكلف إثيوبيا خسارة تقدر بمليار دولار.
وكان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ديميكي ميكونين أعلن، في بيان صحافي أمس الأول، ان بلاده لا يمكن أن تدخل في اتفاق من شأنه أن يحرمها من حقوقها المشروعة الحالية والمستقبلية في استخدام نهر النيل، وألقى باللائمة على مصر والسودان لإفشالهما المفاوضات بزعمه.
واتهم ميكونين البلدين باتباع نهج “يسعى إلى تقويض العملية التي يقودها الاتحاد الإفريقي، وإخراج الأمر من المنصة الإفريقية، كما عرقلا استئناف المفاوضات برفضهما مسودة بيان تضمن المداولات خلال الاجتماع الذي استمر لمدة يومين”، لافتا إلى أنه سيتم تنفيذ ملء سد النهضة للعام الثاني كما هو مقرر.
اجتماع جديد
وبينما توقع البيان الإثيوبي أن يُستأنف المسار التفاوضي بين الدول الثلاث في الأسبوع الثالث من أبريل الجاري، بناء على دعوة الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، استبعد مصدر مصري أن يتم عقد هذا الاجتماع، قائلا لـ”الجريدة”: “في ظل ما جرى في كينشاسا من الصعب العودة إلى طاولة المفاوضات، طالما لا توجد نية للتفاوض من الأساس”.
وكان وزير الخارجية المصري أكد أن القاهرة لم تتلق أي دعوة من جانب الاتحاد الإفريقي لعقد جولة مفاوضات جديدة.