الجزائر ترتب أولوياتها الاقتصادية مع ارتفاع أسعار المحروقات بسبب حرب أوكرانيا
مع بداية غزو روسيا لأوكرانيا اتّجهت الأنظار في الجزائر إلى حقول النفط وأنابيب الغاز. وبقدر ما أثارت الخطوة مخاوف دول عدة، توقع مراقبون أن من شأن هذه الحرب أن تدفع الجزائر إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية والإقليمية، بسبب مداخيل المحروقات التي تتخذ أسعارها منحى تصاعدياً
غزو يحيي الآمال
وأحيت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، آمال الجزائريين في أن تغتنم حكومة الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، الفرصة لإنعاش اقتصاد البلاد المبني على البترول والغاز منذ الاستقلال في عام 1962، والمتسم بارتفاع فاتورة الاستيراد، مقابل تدني الصادرات، على الرغم من محاولات لكبح ذلك الاتجاه منذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون
وبات الجزائريون يترقبون نقلة نوعية على كل المستويات، من شأنها أن تمس حياتهم اليومية ومستقبلهم وأبناءهم، وذلك من خلال التوجهات التي بات يعتمدها تبون، من خلال تغيير قوانين الاستثمار وتعديل بعضها، وتقليص فاتورة الاستيراد التي كانت تثقل كاهل الخزانة العمومية جراء “الفوضى” التي لجأت إليها “العصابة” بهدف نهب وتهريب الأموال، إضافة إلى تشجيع النشاط الزراعي واقتصاد المعرفة، والإجراءات التي اتخذها لتحسين الاقتصاد وتطوير مستوى حياة الشعب، وهو الخيار الذي انطلق بالتوازي مع استمرار حملة محاربة الفساد والفاسدين
وشكل عدم استيراد الجزائر البنزين أو الديزل منذ عام 2020، دليل نجاح توجهات البلاد، إذ كشف ذلك عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، ما سمح بتوفير 1.5 مليار دولار من الواردات
نجاحات سابقة وأسعار في طور الارتفاع
وحققت شركة “سوناطراك” البترولية الحكومية الجزائرية طفرةً هائلةً في الإيرادات خلال عام 2021، وتقف حالياً أمام فرصة مواتية للاستمرار في تحقيق مداخيل ضخمة هذا العام بسبب تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على أسعار النفط والغاز
وذكر نائب الرئيس المسؤول عن الاستراتيجية والتخطيط والاقتصاد في الشركة، رشيد زرداني، في تصريحات للقناة الثالثة للإذاعة الجزائرية، قبل بدء الحرب، أن “الطلب العالمي على النفط زاد بأكثر من 5 ملايين برميل يومياً في 2021 مقارنةً بالعام السابق”. واليوم، يتساءل متابعون: كيف سيكون الحال مع استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية؟
ووصل سعر خام النفط الجزائري إلى مستوى 115 دولاراً للبرميل في تعاملات الخميس 3 مارس (آذار) الحالي، بارتفاع قاربت نسبته 4 في المئة، بحسب ما نشره موقع “أويل بريس” الذي أوضح أن الخام الجزائري أصبح من الأغلى سعراً بين كل خامات المنتجين في منظمة “أوبك” وخارجها. كما شهدت أسعار الغاز قفزة هائلة، ببلوغها 2279 دولار اً لكل ألف متر مكعب، وفق بورصة العقود الآجلة “إي سي أو”، ومقرها لندن
تقوية القدرات الإنتاجية أولاً
في السياق ذاته، قال الباحث في مجال الطاقة، سعيدون رمضان، إنه “لا بد للجزائر أن تقوي قدراتها الإنتاجية للاستفادة جيداً من ارتفاع أسعار النفط والغاز، وذلك من خلال زيادة الاستثمارات في مجال الطاقة من الاستكشاف والتطوير، بالتالي العودة إلى قدراتنا التي كنا نتمتع بها قبل عشر سنوات”، حينها كانت الجزائر تنتج أكثر من مليون و200 ألف برميل من النفط يومياً، بينما تنتج حالياً ما يقارب من المليون برميل. أما في ما تعلق بالغاز، فكانت الجزائر تصدر نحو 65 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تصدر اليوم نحو 45 مليار متر مكعب
وقال رمضان: “إنها فرصة جيدة لتقوية صادراتنا من مصادر الطاقة، فالطلب كبير والعرض محدود”. وأضاف أن “الاستفادة من مداخيل معتبرة يجب أن يرافق قطاعات أخرى، مثل التحول إلى الطاقات المتجددة التي تستعمل بدايةً للاستهلاك الداخلي، للحد من الاستهلاك المحلي للغاز والنفط، وتوجيه الحصة الموفرة إلى التصدير”، مضيفاً أنه “لكي يكون لك حضور مع الدول، لا بد أن يكون لك إنتاج قوي، فمثلاً روسيا تصدر 237 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وقطر 127 مليار متر مكعب، والجزائر في حدود 45 مليار متر مكعب، وعلى الرغم من أنه رقم معتبر، فإن مقارنةً مع احتياطات البلاد فهو ضئيل بعض الشيء”. وعبر المتحدث في الوقت ذاته عن أسفه لارتباط كل القطاعات بمداخيل النفط والغاز
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخوف من عودة الفساد
من جانب آخر، اعتبر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، أن “الجزائر من بين أهم الدول التي سيحالفها الحظ وتستفيد من هذا الوضع، بخاصة أن موقعها الجغرافي قريب من أوروبا، حيث إنها تعتبر سوقاً مدرة في الوضع الحالي بالخصوص”، معتقداً أنها “فرصة مواتية لتراجع الحكومة الجزائرية أوراقها من خلال هذه الوضعية الاقتصادية الحالية، وتضع آمال الجزائريين في موضع مريح وتخفض فاتورة الاستيراد، والتضخم، وارتفاع الأسعار وغيرها من المشاكل التي أرقت الشعب لسنوات طويلة كان الفساد فيها هو ديدن مؤسسات الدولة في ظل نظام الحكم السابق”. وأشار حبيب إلى “تخوف البعض من عودة الفساد الذي أنهك البلاد والعباد، من خلال هذا الارتفاع الكبير لمداخيل النفط والغاز”
أرضية لتمويل مشاريع البنى التحتية
كذلك رأى أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال، أنور سكيو، أن “المكون الجزائري من موارد نفطية ومحروقات واقع ليس من السهل التغاضي عنه، سواء في التوليفة الجزائرية الاقتصادية وحتى الاستراتيجية والأمنية، فمثلاً هناك اتفاقية ناتيرجي الإسبانية لتصدير الغاز الجزائري لإسبانيا لغاية عام 2030، بكمية قدرها 8 مليارات متر مكعب سنوياً، وهناك أيضاً اتفاقية إيني الإيطالية والمتضمنة ثلاثة عقود لتجديد تصدير الغاز الجزائري لإيطاليا لغاية عام 2049، بمعدل 1.5 مليار متر مكعب سنوياً، مع إمكانية زيادة الإنتاج العام المقبل، عقب الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيطالي برفقة المدير العام لشركة “إيني” الإيطالية إلى الجزائر”. وقال إن “سردية الخروج من تأثير المحروقات غير واردة بسهولة، لما تحمله من حيثيات استراتيجية في الدور الجزائري إقليمياً وأفريقياً، لكن طبعاً يبقى التوجه نحو التنويع الاقتصادي هو المعول عليه”
وتابع سكيو أن “الارتباط بالريع والتهاب أسعار البترول قد يشكل أرضية لتمويل مشاريع استثمارية في بنى تحتية أكثر قوة في بقية القطاعات، ناهيك عن فرص تأسيس سياسة نقل التجربة الطاقوية إلى العمق الأفريقي مع الشريك النيجيري”، موضحاً أن “معطيات المشهد الاقتصادي الجزائري في تغير متسارع خلال السنوات الأخيرة”