إقتصاد

التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يسجل أعلى مستوى في أكثر من 40 عاماً

كشف تقرير حديث عن أنه منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، ارتفعت أسعار النفط والسلع الأساسية الأخرى، وارتفعت مخاطر الركود بشكل حاد. وفي الواقع، فإن احتمالات حدوث ركود يبدأ في الـ12 شهراً المقبلة تزداد بشكل غير مريح، وتتزايد مع مرور الوقت. ولتجنب حدوث انكماش اقتصادي، سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى معايرة زيادات أسعار الفائدة بحذر بينما يحارب التضخم المتزايد

ويرى مارك زاندي هو كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتكس”، أنه مع توقف الولايات المتحدة وشركات الطاقة العالمية عن شراء النفط الروسي، فقد قفزت أسعار البرميل إلى أكثر من 100 دولار، وارتفعت أسعار البنزين والديزل إلى مستويات قياسية. وفي البداية، بدا أن هذه ستكون ضربة متواضعة للاقتصاد الأميركي. لكن بعد كل شيء، تنتج الولايات المتحدة ما يقرب من كمية النفط التي تستهلكها

ومع ذلك، فقد كان الضرر الاقتصادي أكبر بكثير. ذلك لأن أسعار النفط المرتفعة أدت إلى زيادة التضخم الهائل بالفعل. لقد كانت مشكلة كبيرة قبل الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ تسبب الوباء في تقويض سلاسل التوريد العالمية، ما تسبب في نقص كل شيء من المركبات إلى مواد البناء. لكن الهجوم الروسي خلق مشكلة أكبر بكثير، إذ إن تضخم أسعار المستهلكين المكون من رقمين في الأشهر القليلة المقبلة هو احتمال حقيقي. لقد قفز معدل قرض الرهن العقاري ذي الفائدة الثابتة لمدة 30 عاماً بالفعل إلى ما يقرب من خمسة في المئة مما يقرب من ثلاثة في المئة في بداية العام

ضغوط كبيرة على الاحتياطي الفيدرالي

وقال زاندي إن هذا كثير للغاية على الاحتياطي الفيدرالي لتحمله، وقد وضع صناع السياسة في حالة تأهب قصوى. ولم يترك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه أي شك في توقعاتهم وخطاباتهم، فهم يخططون لرفع أسعار الفائدة ويخططون للقيام بذلك بقوة

ومع ذلك، سيحتاج الاحتياطي الفيدرالي إلى توخي الحذر. في الماضي، عندما كان الاقتصاد يعاني ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، تبع ذلك ركود على الدوام. ويتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي في نهاية المطاف خطوات صارمة للغاية على المكابح النقدية التي يضرب بها المثل لكبح جماح التضخم، وتهبط أسعار الأسهم، وتنتهي أسواق الإسكان، وتتوقف الشركات عن الاستثمار والتوظيف، ويتراجع المستهلكون عن الإنفاق، ويتعثر الاقتصاد. أقل ما يقال إنه عملية توازن دقيقة

ولتجنب الركود، من الأهمية بمكان بالنسبة إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي كبح جماح توقعات التضخم، فيما يعتقد العمال والشركات والمستثمرون أن التضخم سيكون أعلى من هذه النسب في المستقبل. ويطالب العمال المستاؤون من احتمالات ارتفاع تكاليف التنقل ورعاية الأطفال وتكاليف المعيشة الأخرى بزيادات أكبر في الأجور، وتتزايد استجابة الشركات. وقال زاندي “إنهم يعتقدون أن بإمكانهم تمرير تكاليف العمالة المرتفعة للعملاء من طريق رفع أسعار سلعهم وخدماتهم… لكن يمكن أن يؤدي ذلك إلى دوامة أسعار الأجور المخيفة، إذ يؤدي ارتفاع الأسعار إلى رفع الأجور، والعكس صحيح… فقد انتشرت الحلقة المفرغة في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وأجبرت بنك الاحتياطي الفيدرالي في تلك الحقبة على رفع أسعار الفائدة والحث على انكماش عميق”

كيف يمكن تجنب الركود المحتمل؟

في الوقت نفسه، فإن هناك طرقاً مختلفة لقياس توقعات التضخم، ولكن يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي التركيز أولاً على المستثمرين في الأوراق المالية المحمية من التضخم في الخزانة. ويضع المستثمرون في هذه السندات أموالهم في مكانها الصحيح عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بالتضخم، ويعتقدون حالياً أن تضخم أسعار المستهلك سيكون أكثر من ثلاثة في المئة سنوياً في السنوات المقبلة. وهذا مرتفع للغاية بالنسبة إلى راحة بنك الاحتياطي الفيدرالي، فهو يريد أن يكون التضخم أقل من 2.5 في المئة، ويفضل أن يكون أقرب إلى اثنين في المئة. لذلك يجب أن ترفع أسعار الفائدة حتى تقنع المستثمرين أن هذا هو المكان الذي يتجه فيه التضخم

ومع ذلك، بينما يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بذلك، يجب أن يكون على يقين من عدم التسبب في زيادة أسعار الفائدة على سندات الخزانة قصيرة الأجل، أعلى من معدلات الفائدة على السندات طويلة الأجل. وهذا ما يسمى بانقلاب منحنى العائد ولا يحدث كثيراً، ولكن عندما يحدث ذلك، يتبع الركود لاحقاً لعام أو عامين

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الواقع، ولأكثر من نصف قرن، فقد حدث ركود في كل مرة ارتفع فيها معدل سندات الخزانة لأجل عامين بشكل ثابت فوق المعدل على سندات السنوات العشر. ويعد منحنى العائد عامل تهدئة نظراً إلى أن المعدلات قصيرة الأجل تعكس ما يعتقد مستثمرو السندات أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيفعله في المستقبل القريب، بينما تُظهر المعدلات طويلة الأجل التأثير الذي يعتقدون أن إجراءات الاحتياطي الفيدرالي ستحدثه في النهاية على الاقتصاد. وإذا اعتقد المستثمرون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة بسرعة كبيرة جداً ويسبب ركوداً، فإنهم يدفعون أسعار الفائدة القصيرة فوق المعدلات الطويلة

وخلال الشهر الماضي، ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين لفترة وجيزة فوق عائدات عشر سنوات، وهو ما يشير إلى أن مخاطر الركود مرتفعة، لكن الانعكاس لم يكن طويلاً أو مهماً بدرجة كافية للإشارة إلى أن الركود وشيك. كما يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي تحديد أسعار الفائدة لضمان بقائها على هذا النحو

ولكن حتى لو قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعمل التوازن هذا بشكل صحيح تماماً، فقد لا يكون ذلك كافياً. سنظل بحاجة إلى القليل من الحظ الجيد حتى لا يتخذ الوباء أو الحرب الروسية منعطفات أكثر قتامة

ارتفاعات جديدة وقياسية في معدل التضخم

في الوقت نفسه، فقد استمر التضخم الأميركي في الارتفاع في مارس (آذار) الماضي، ومؤشر أسعار المنتجين هو أحدث بيانات تظهر ضغط الأسعار. إذ أفاد مكتب إحصاءات العمل، بأن المؤشر، الذي يقيس ما يتقاضاه المنتجون الأميركيون مقابل سلعهم وخدماتهم في المتوسط بمرور الوقت، ارتفع بنسبة 11.2 في المئة في العام المنتهي في مارس، ولم يتم تعديله وفقاً للتقلبات الموسمية

وكانت هذه أكبر قفزة في الأسعار منذ أن بدأت سلسلة البيانات في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2010، متجاوزة توقعات المحللين والقفزات المزدوجة الرقم المسجلة في الشهرين الأولين من العام. ومن دون طاقة وغذاء، فقد بلغ مؤشر أسعار المنتجين 9.2 في المئة خلال الإطار الزمني نفسه. وبعد استبعاد الخدمات التجارية أيضاً، ارتفع المؤشر بنسبة سبعة في المئة خلال فترة الـ12 شهراً. فيما تظهر هذه الأرقام أنه بينما تلعب تكاليف الطاقة دوراً كبيراً في ارتفاع الأسعار، لا يزال هناك الكثير من التضخم تحت السطح

ويرى بيتر بوكفار، كبير مسؤولي الاستثمار في “بليكلي أدفيسوري غروب”، أن “النتيجة النهائية هي على الأرجح ضغط كبير وشيك في هوامش الربح… إنه لأمر جيد أن يكون موسم الأرباح علينا حتى نتمكن من قياس إلى أي مدى”

وبين فبراير (شباط) ومارس، ارتفعت أسعار السلع والخدمات الجاهزة بنسبة 1.4 في المئة مع التعديلات الموسمية. وكان هذا أكثر مما كان متوقعاً وأكثر مما كان عليه في الشهرين السابقين. ويعزى أكثر من نصف الزيادة في أسعار السلع إلى قفزة أسعار منتجات الطاقة بنسبة 5.7 في المئة

فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار وقود الديزل بنسبة 20.4 في المئة، كما ارتفعت تكلفة البنزين ووقود الطائرات والطاقة الكهربائية. وأيضاً، زادت تكلفة الخضراوات الطازجة والجافة وخردة الحديد والصلب. كما ارتفعت أسعار النفط والبنزين في الولايات المتحدة في مارس على خلفية الصراع في أوكرانيا، الذي ألقى بجرح في أسواق السلع العالمية

ويقول كيرت رانكين، كبير الاقتصاديين في المجلس الوطني، إنه “لا ينبغي أن ننسى وسط التطورات التي حدثت خلال الشهر الماضي في أوكرانيا، أن قضايا سلسلة التوريد المحلية في صناعة الأغذية الأميركية لا تحرز سوى تقدم متقطع نحو الحل، وسيستمر اختلال التوازن بين العرض والطلب أيضاً في الضغط التصاعدي على أسعار المواد الغذائية للمنتجين، وزيادة الضغط على الأسر الأميركية خلال الأشهر المقبلة”

وحتى بعد استبعاد المكونات الأكثر تقلباً مثل الطاقة والغذاء والخدمات التجارية، فقد ارتفعت أسعار السلع والخدمات الجاهزة في مارس بنسبة 0.9 في المئة، وهي أكبر قفزة منذ يناير (كانون الثاني) 2021 ونحو ضعف ما كان يتوقعه المحللون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى