( استقرار العراق ) .. آن الأوان لتغيير واشنطن إستراتيجيتها
هناك مناطق في العراق تبدل حالها كثيرا عما كانت عليه منذ حوالي 17 عاما، ومن أبرزها مدينة الرمادي ، التي تقع غرب العاصمة بغداد وتبعد عنها بحوالي 108 كيلومترات، وهي مركز محافظة الأنبار.
ويقول مايكل روبين، الباحث المقيم بمعهد «أميركان انتربرايز» في تقرير له نشرته مجلة «ناشونال انتريست» عن زيارته الأخيرة لمدينة الرمادي، إنه منذ 17 عاما كان الطريق إليها من مدينة أبوغريب بمحافظة بغداد، والتي حمل اسمها سجن أبو غريب سيئ السمعة، مرورا بالفلوجه من بين أخطر الطرق في العراق.
ففي 12 فبراير 2004، أطلق من وصفهم بالمتمردين قنابل صاروخية على قافلة كانت تقل الجنرال جون ابازيد، قائد القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت، والميجور جنرال تشالز سواناك قائد الفرقة 82 المحمولة جوا في الفلوجة.
وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، هاجم المسلحون ثلاثة مراكز شرطة في وقت واحد واطلقوا سراح نحو 100 سجين. وبحلول مارس كان المسلحون قد عززوا سيطرتهم على الفلوجة. وأصبحت الهجمات ضد القوات الأميركية والقوات العراقية المتحالفة معها تحدث يوميا في المدينة، وفي الحبانية المجاورة وفي الرمادي، وفي 31 مارس 2004 نصب المسلحون كمينا لقافلة تابعة لشركة بلاك ووتر الأمنية، وأشعلوا النار في أفرادها، وسحلوا الجثث عبر الشوارع.
وبعد ذلك بأسبوع حاصرت القوات الأميركية المدينة، لكن بعد 24 يوما أنهى جيمس كونواي قائد مشاة البحرية الحصار ونقل السلطة لما يسمى بلواء الفلوجة، الذي لم يستطع السيطرة على الأوضاع.
ومع نهاية العام عادت القوات الأميركية وسوت الفلوجة بالأرض. وعانت الفلوجة كثيرا بعد ذلك.
ويقول روبين إنه مع ذلك، أصبحت الفلوجة والرمادي الآن مدينتين مختلفتين تماما تقريبا. فالطرق التي تربط بينهما هي من أفضل الطرق في العراق.
والاهتمام بمظهرهما واضح للغاية. وفي كل يوم تظهر شركات جديدة. وقام السكان بإعادة بناء مساكنهم. وتزدهر الجامعات المحلية، ويتباهى سكان الرمادي بأن مدينتهم سوف تشهد في القريب العاجل أول فنادق خمس نجوم في العراق، ويعترف العراقيون من خارج المنطقة بأن محافظة الأنبار هي المنطقة الأكثر أمنا بعد كردستان العراق وأنها تتقدم سريعا.
ويتفاخر سكان الأنبار، بأنهم حققوا نهضتهم بقدر ضئيل من المساعدة الخارجية. فالحكومة العراقية مازالت مقيدة ببيروقراطيتها، وعجزها، وافتقارها إلى المال.
ويرجع الكثير في الأنبار الفضل فيما حققوه لمحافظهم على فرحان الدليمي، ونخب شيوخ القبائل ورجال الأعمال لتعاونهم فيما بينهم وتحقيق ما لم تستطع أو لن تستطيع بغداد تحقيقه. فالحكم المحلي وأفراد المجتمع أمر مهم.
وفي الوقت الذي تسطع فيه الرمادي والفلوجة، مازال جزء كبير من الموصل متهدما، وتم إلقاء القبض على محافظها السابق العام الماضي لدوره في مخطط فساد واختلاس بقيمة ملايين الدولارات.
ويضيف روبين أن الرمادي تظهر ما هو ممكن في العراق، ففي الوقت الذي ساهم فيه مواطنو المدينة في إحيائها، يحقق المستثمرون الأجانب في العراق غالبا أرباحا كبيرة. فمواطنو العراق شباب ـ إذ ان أكثر من 40% من السكان ولدوا بعد حرب 2003 ـ والسوق في حالة توسع.
وأوضح روبين أنه بعد لقائه بعدد كبير من الأكاديميين وشيوخ القبائل والسياسيين في الرمادي اتفقوا جميعا على شيء واحد، وهو أنه حان الوقت لأن تغير الولايات المتحدة مسارها وأن تعطي الأولوية لقطاع الأعمال، وهم مصيبون في رأيهم، إذن ان المساعدات الأميركية يتم استهلاكها، فهي تشجع على الفساد وتحد من مساءلة الحكم المحلي، لكن استثمار القطاع الخاص مختلف.
فهو يبقى لفترة أطول، ويفيد كثير من الأشخاص، ويوفر الحوافز للاستقرار المحلي، ويعزز المشاركة الدولية السلمية.
وبينما يقوم الرؤساء ووزراء الخارجية الأميركيون بملء طائراتهم بالصحافيين والمساعدين، يملأ الرؤساء الآخرون طائراتهم برجال الأعمال.
وقال روبين إن إدارة بايدن متباطئة في انتهاز الفرصة، وأن مستشار الأمن القومي الأميركي الحالي جيك سوليفان كتب مقالا أثناء الحملة الرئاسية قال فيه إن«الديبلوماسية يمكن أن تنجح فيما فشلت فيه القوة العسكرية».
وفي حقيقة الأمر كان مقاله للاستهلاك المحلي بدرجة كبيرة. فالأمر لا يقتصر على الديبلوماسية والقوة العسكرية، فقد تجاهل أهم قوة لأمريكا وهي«القطاع الخاص».
وأشار روبين إلى أن الولايات المتحدة والعراق أصدرا في 7 أبريل الحالي بيانا مشتركا بعد مناقشات حول حوارهما الاستراتيجي الثنائي.
ورغم أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره العراقي فؤاد حسين أكدا على «الشراكة الاقتصادية القوية بين الدولتين، لم يقدما أي تفاصيل بخلاف تسهيل نظام التأشيرات بالنسبة للعراق لتعزيز التجارة والاستثمار الدوليين».
واختتم روبين تقريره بالقول إنه إذا كان بلينكن وسوليفان يريدان فعلا إظهار نموذج جديد للديبلوماسية الأميركية، فإنه يتعين عليهما تجاوز البيانات الرسمية وتشجيع الاستثمار الجاد في العراق وفقا لطاقة كل محافظة عراقية. ويمكن لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية المساعدة في الحد من الخطر بالنسبة لقطاع الأعمال الأميركي.