أخبارعربي وعالمي

أميركا ( عادت ) .. لكن العالم تغير

بعد أربعة أعوام من الترقب والتساؤل حول ما إذا كانت أميركا قد تخلت بصورة دائمة عن دورها كدولة قائدة للعالم تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب ، شهد باقي العالم عددا مذهلا من الخطوات، اتخذته إدارة الرئيس الجديد جوبايدن مبكرا لاستعادة مكانتها العالمية.

وتقول د.ليزلي فينجاموري، الخبيرة البريطانية وعميدة أكاديمية الملكة إليزابيث الثانية للقيادة في الشؤون الدولية التابعة للمعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، ان بايدن أعاد الولايات المتحدة في الشهر الأول من رئاسته إلى اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، وأعاد الانضمام لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولو بصفة مراقب حتى الانتخابات المقبلة، وأنهى الحظر المفروض على السفر بالنسبة للدول ذات الأغلبية المسلمة.

وأضافت فينجاموري، في تقرير نشره موقع «تشاتام هاوس»، أن الولايات المتحدة تتعامل حاليا مع المطالب الخاصة باللجوء، والسماح لطالبي اللجوء بعبور الحدود الجنوبية إلى الولايات المتحدة، بينما تعهد بايدن أيضا بالمساهمة بـ 2 مليار دولار لدعم مبادرة كوفاكس، وهي الخطة العالمية لضمان توزيع عادل للقاح ڤيروس كورونا، وسيعقب ذلك تقديم 2 مليار دولار أخرى خلال عامين.

كما سعى بايدن لتبديد فكرة تضارب الموقف الأميركي تجاه حلفائها الأوروبيين. وبإعلانه بحزم عن التزام الولايات المتحدة بالمادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تعتبر أساس الشراكة بين ضفتيه، استعاد مادة مهمة اعترف بها الرئيس السابق دونالد ترامب مؤخرا وبدون حماس. وبعد أربعة أعوام من التضارب تجاه الناتو، أصبحت هذه خطوة أولى ضرورية لاصلاح الشراكة عبر الاطلنطي.

كما ينبغي أن يكون موقف بايدن المتشدد تجاه التجاوزات الروسية بالنسبة للسيادة والديموقراطية في الداخل والخارج على السواء إعادة طمأنة لكثير من الأوروبيين وكثير من الأميركيين. فطوال اربعة أعوام كان الكثيرون يعتبرون ترامب شخصا غريبا، فقد كان رئيسا على خلاف مع أغلبية في الولايات المتحدة، وفي حزبه، وفي أوروبا، واتخذ سياسة متشددة تجاه روسيا وتمنى أن يحذو بايدن حذوه.

وتقول فينجاموري إنه مع ذلك أصبح التناقض المحتمل الذي تتسم به السياسة الخارجية لإدارة بايدن واضحا للغاية. فالولايات المتحدة تعتزم اتباع سياسات تعترف بالحقيقتين المثيرتين للقلق اللتين تتسم بهما أكبر معضلات السياسة الخارجية في الوقت الحالي، وهما أن الديموقراطية تتعرض للاعتداء في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم وينبغي أن تكون في صدارة الديبلوماسية الدولية، وأن التعاون مع الدول الاستبدادية التي تنتهك الحقوق ليس فقط أمرا مهما، بل أيضا أساسيا في الاتفاق على الحلول الضرورية لتحقيق السلام الدائم.

وستكون الأعوام الأربعة المقبلة تجربة لرؤية ما إذا كان بوسع الولايات المتحدة النجاح في التعاون على سبيل المثال مع الصين بشأن المناخ ومع روسيا بشأن الحد من التسلح، بينما تستمر في استهجان اعتداءاتهما على الأعراف الديموقراطية.

وفي حالة روسيا، تتسم البوادر الأولية بالايجابية، وكانت إحدى الخطوات الأولى لإدارة بايدن التفاوض على مد أجل معاهدة «ستارت الجديدة» للحد من الأسلحة النووية قبل موعد انتهائها في الرابع من فبراير الماضي.

لكن في المقابل، أعلن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة أيضا عقوبات بالتنسيق فيما بينهم تستهدف المسؤولين الروس عن التعامل الوحشي مع المعارض الرئيسي أليكسي ناڤالني.

وسيوفر الرد الروسي لمحة مبكرة عن التحديات التي تمثلها استراتيجيتها مزدوجة المسار.

من ناحية أخرى، فإن الخطوة التالية لاستعادة شراكة أميركا المتوقفة عبر الأطلسي تتمثل في احتمال استئناف الولايات المتحدة وأوروبا المحادثات مع إيران حول ملفها النووي. وفي الحقيقة ليس من السهل التوصل لاتفاق يمكن أن يكتب له النجاح، ولكن حقيقة أن إدارة بايدن تبدي اهتمامها بالمضي قدما، تعتبر مؤشرا آخرا على أن دور أميركا في العالم خاصة دورها في أوروبا، يتم استعادته لما كان عليه قبل ترامب.

وترى فينجاموري أنه رغم هذه العودة السريعة للولايات المتحدة للمسرح الدولي، مازال الأوروبيون يشعرون بالحذر إزاء قوتها الباقية، وهناك انقسام في الرأي بالنسبة لعودة أميركا. فقد تكيف البعض في أوروبا مع عالم بدون قيادة الولايات المتحدة، ويصر آخرون على ضرورة أن ترسم أوروبا طريقها وهي مستقلة عن الولايات المتحدة.

ويشعر الكثيرون بالارتياح لعودة الولايات المتحدة ولكنهم يشعرون بالخوف من عدم استمرار ذلك. ويعتقد بعض خبراء السياسة الخارجية الأميركية أن دونالد ترامب غير سياسة الولايات المتحدة الخارجية بشكل دائم. ولأسباب متعددة، ليس من المحتمل أن تعني العودة السريعة لتعددية الأطراف وتبني القيم الديموقراطية، رغم أنه أمر مرحب به، أن أميركا عادت إلى ما اعتادت أن تكون عليه.

فمازالت الإدارة الجديدة مقيدة بالحقائق على أرض الواقع، خاصة جائحة كورونا، كما أن استعادة الحياة اليومية العادية لن تكون أمرا سهلا في نطاق مجتمع مستقطب للغاية يتصارع حول الظلم العنصري وعدم المساواة، والصراع داخل حزب جمهوري يهيمن عليه جناح يميني يواصل تبجيل ترامب ويرفض الثنائية الحزبية.

وتبذل إدارة بايدن جهودا كبيرة لمواجهة هذه التحديات، ولاسيما من خلال شراء 200 مليون جرعة لقاح إضافية والدفع بخطط تتعلق بخطة إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار، لكن ترامب يواصل ممارسة نفوذه القوي على الحزب الجمهوري رغم هجمات الكابيتول وفشله في إدارة مواجهة الجائحة، وستستمر محاولة اعتباره مسؤولا عنها في أن تكون عاملا في الحياة السياسية الأميركية لشهور كثيرة مقبلة.

وهناك أيضا واقع جديد في السياسة الدولية، ففي الوقت الذي انخفض فيه الوضع النسبي لأميركا في اقتصاد العالم، شهدت الصين نموا، كما أن العالم خطا قدما بالنسبة لأبعاد متعددة، كما تغيرت أميركا نفسها، لذلك فإنه رغم أن بايدن قد يستطيع إعادة إدخال أميركا في الديبلوماسية الدولية ومعالجة الانقسامات، ستكون إعادة البلاد إلى وضعها السابق أمرا صعبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى